من الطبيعي أن تطفو على السطح قصص، وخيالات، وأوهام مع أي تحوّل صادم يجري في المنطقة، والعالم؛ وتلك الأساطير وإن كانت مسلّية، وأقرب إلى الحكايا منها إلى التحليلات، غير أن تفنيدها ضروري، ومهم.
بعضهم -مثلاً- يجزم بأن أميركا هي من تدعم بل وتؤسس التنظيم الإرهابي، ومن ثم تقضي عليه، أو تتفاوض معه. وهي فكرة خطيرة خلعوها على علاقة أميركا بـ«القاعدة» و«داعش» و«النصرة» و«حزب الله»، وغيرها.
أولئك المحللون فحوى قولهم وتحليلهم أننا في مجال درْس الإرهاب لا بد أن نتّخذ «التواطؤ الأميركي» في الاعتبار، وهذا قول مضلل، ومنقوضٌ علمياً، وتاريخياً.
الآن من الواضح أن الرئيس الأميركي يركّز على سحق الجماعات الإرهابية، وكل سلاح خارج الدولة، أياً كانت تلك الدولة، في العراق هناك تحديات جسيمة، لكن القرار الأميركي واضح: على الدولة أن تحصر السلاح بيدها؛ بالطبع نزع السلاح في تلك الدول لن يكون سهلاً كما يرى المبعوث الأميركي توم برّاك، فالثمن سيكون مكلفاً، لكن لا مناص من ذلك، ولا حيدةَ عن هذا التوجّه الأممي.
فبينما يربط رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني نزع فصائل «الحشد الشعبي» بانسحاب القوات الأميركية، فإن في لبنان من القوى الآمرة من يشترط الانسحاب الإسرائيلي الكامل قبل نزع سلاح «حزب الله»، القصّة شديدة التعقيد، وترمب يريد أن يتعامل مع «الدولة الكاملة» وشرط اكتمال أي دولة «احتكار السلاح»، وهذا موضوع بديهي في نظرية الدولة.
قبل أيام كتب الخبير الأميركي مايكل جيكوبسون –وهو الذي عمل في مكتب مكافحة الإرهاب بوزارة الخارجية من 2010 إلى 2025- مقالةً بعنوان: «ما يجب أن تتضمنه (استراتيجية ترمب) لمكافحة الإرهاب» نشرت في موقع «معهد واشنطن»، اللافت فيها قوله: «إن الإدارة الأميركية أقرّت حزمة من الإجراءات في مجال مكافحة الإرهاب تختلف عن الاستراتيجية التي أعلنتها في ولايتها الرئاسية الأولى، كما تتمايز عن السياسات الأميركية الممتدة لعقود طويلة. هذا التغيّر يطرح تساؤلات جوهرية يجب أن تجد إجابات واضحة قريباً في وثيقة مكافحة الإرهاب الخاصة بالولاية الثانية».
ثم يذكّر بأنه: «وفي عام 2018، أكدت وثيقة استراتيجية مكافحة الإرهاب لإدارة ترمب الأولى أن أميركا في حالة حرب، وأشارت إلى الجماعات الإرهابية الإسلامية العالمية وإيران باعتبارهما تشكلان المصدرين الرئيسين للتهديدات الدولية ضد الولايات المتحدة، وإن لم تكونا المصدرين الوحيدين. منذ ذلك الحين، مرّ الشرق الأوسط بتحولات عميقة تجلّت في سقوط نظام الأسد في سوريا، وفي الإضعاف الكبير الذي طال إيران و(حزب الله) و(حماس)، اليوم، يولي الرئيس ترمب اهتماماً كبيراً بالصفقة التي ساهم في التوصل إليها لإنهاء الحرب بين (حماس) وإسرائيل، وهو يُقدّمها على أنها بداية عهد جديد لشرق أوسط أكثر سلاماً واستقراراً».
ثمة من يرى أن النمط الأميركي في التعامل مع الإرهاب يشهد الآن تغييرات تكتيكية كبيرة، ومقصودة، وأن هناك تفاوتات في التمييز بين التنظيمات، ومن ثم محاولة تغيير سلوك بعض الجماعات، وهذا تقدير مروّج، وتغتبط به الحركات، والأحزاب، بغية تحسين شروط التفاوض، بل وتستثمر في هذه الاستجابة الأميركية لنظرية «تغيير السلوك» عبر التصعيد الخطابي، والتهديد العسكري كما في خطاب أمين عام «حزب الله» الشيخ نعيم قاسم الأخير.
الخطر يكمن في تحوّل هذا التغيير إلى عنصر جذب للانفصاليين، أو للجماعات المهزومة، بمعنى أن تقرر إعادة ترتيب صفوفها، ثم بعد ذلك تناور بالتفاوض بغية تحقيق أي انتصار.
الخلاصة؛ إن الحرب الأميركية «الترمبية» على الإرهاب قائمة، بل وفتّاكة، ولها فعاليتها الكبيرة على الأرض، والحديث والترويج للدور الأميركي في إنشاء هذه الجماعة أو تلك روّاده أمشاجٌ من اليساريين والأصوليين في منصّاتهم الإعلامية، وبخاصةٍ حلقات «البودكاست» المضللة.

