خالد بن حمد المالك
نجح النظام الجديد في سوريا في تثبيت نفسه، وإقناع العالم بسياساته، وحقه في إدارة شؤون البلاد، فها هو الرئيس الأمريكي يستقبل غداً الرئيس أحمد الشرع في البيت الأبيض، ويرفع العقوبات عنه، وينهي مكافأة العشرة الملايين دولار لمن يدل عليه، أو يقوم بالقبض عليه، حين كان يقود الثورة ضد نظام بشار الأسد، وها هي بريطانيا والدول الأوروبية تحذو حذو الولايات المتحدة الأمريكية بوصفها تابعة لأمريكا، وتلغي العقوبات هي الأخرى.
* *
وهكذا سيكون الاستقبال تاريخياً للرئيس السوري وهو الأول من نوعه، فقد ظل بشار الأسد وقبله والده حافظ الأسد، يقتصر ارتباطهما وتحالفهما بالاتحاد السوفيتي، ومن ثم بروسيا، وعداء وقطيعة بالولايات المتحدة الأمريكية وبالغرب، وإذا بالعلاقات السورية الأمريكية تتغير، وإذا بدمشق تقترب إلى أمريكا والغرب أكثر مما هي لدى روسيا، وإن ظلت الأخيرة على العلاقة مع سوريا، ولكن بمستوى أقل مما كانت عليه إبّان حكم آل الأسد.
* *
هناك مصالح لسوريا، وللغرب وعلى رأسه أمريكا قضت المتغيرات والمستجدات والتطورات الأخيرة أن يكون لها هذا التوجه الجديد في العلاقات، خاصة مع غياب نظام بشار الأسد، وقيام نظام جديد يقوده أحمد الشرع والثوار الذين أسقطوا نظام بشار الأسد، وما تولد عنها من تخفيف العلاقة مع روسيا التي كانت حامية ومدافعة عن النظام السابق، بحكم العلاقة التاريخية، والمصالح المشتركة بينهما.
* *
تحاول أمريكا في علاقاتها مع سوريا أن تَجرُّ النظام الجديد إلى تفاهمات مع إسرائيل، إن بالإغراءات أو بالقوة، وقد نجحت في ذلك إلى حد ما، لكنها لم تصل بعد إلى الاعتراف السوري بالدولة اليهودية، غير أنها ربما تُمهد إلى ذلك، وإن تأخر الاعتراف إلى فترة زمنية مستقبلية بعيدة، وقد يكون ذلك ضمن مباحثات البيت الأبيض اليوم بين الرئيسين ترمب والشرع.
* *
يلاحظ أن إسرائيل مارست ضغطاً كبيراً على النظام السوري الجديد لإجباره وقبوله على تغيير الموقف السوري التاريخي من إسرائيل، وقد شمل ذلك احتلال أراضي سورية بعد أحداث السابع من أكتوبر، وكذلك قيام الجيش الإسرائيلي بضرب أهداف عسكرية سورية في مواقع ومدن مختلفة، بل إن التهديد تمثل أيضاً بضربات للقصر الجمهوري نفسه الذي يقيم فيه الرئيس أحمد الشرع، فضلاً عن تبني إسرائيل ودعمها لانفصالي الدروز عن سوريا، وكل هذا لإجبار النظام السوري بقيادة الشرع على إجراء تفاهمات مع إسرائيل.
* *
ومع أن سوريا بنظامها الجديد، تبدو أكثر مرونة من النظام السابق في التفاهم مع إسرائيل، وأن رئيسها الشرع أعلن في أكثر من مناسبة، بأنه لا يسعى لجر دمشق لحروب في المنطقة، ما يشير بذلك إلى حروب مع إسرائيل، بدليل أن سوريا لم ترد على اعتداءات إسرائيل، إلا أنه لم يصدر عنه ولا عن أي من أركان حكومته ما يشير إلى توجه سوري نحو الاعتراف بإسرائيل، تاركاً على ما يبدو ذلك للتطورات المستقبلية على مستوى دول المنطقة، ووضع سوريا كجزء من التفاهمات القادمة، إذا ما وافقت إسرائيل على قيام دولة فلسطينية بحسب المبادرة العربية، وقرارات الشرعية الدولية، وخيار الدولتين، وما أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤخراً، اعتماداً على مؤتمر نيويورك الذي تبنته المملكة العربية السعودية وفرنسا، وانتهى باعتراف 159 دولة بفلسطين دولة حرة إلى جانب إسرائيل، وهو شرط للدول التي لم تعترف بإسرائيل للاعتراف بها.

