لم يكن هذا الأسبوع هو الأسوأ لحكومة كير ستارمر العمالية منذ انتخابها فحسب؛ بل كان أيضاً لحظة انكشاف للمؤسسة السياسية التقليدية التي فقدت ثقة الناخبين. فوفقاً لأحدث استطلاعات الرأي، تراجعت شعبية حزبي «العمال» و«المحافظين» إلى 15 في المائة و16 في المائة على التوالي، فيما تصدّر حزب «الإصلاح» بزعامة نايجل فاراج المشهد. فاراج الذي ارتفع تأييده (33 في المائة) بخطاب شعبوي يعد فيه الناخب بسياسيات اقتصادية واجتماعية أفضل مما اعتاد، بدا الأسبوع بمؤتمر صحافي معترفاً بأن حكومة «الإصلاح»، إن فاز بالانتخابات، ستخفض الخدمات وتزيد الضرائب، ناقضاً وعوده كحال «العمال» و«المحافظين».
وفي صباح الثلاثاء، استدعت وزيرة المالية رايتشل ريفز الصحافيين إلى داونينغ ستريت في مؤتمر صحافي غير مسبوق، ولم تقل شيئاً ذا قيمة، لكن الرسالة كانت واضحة: ضرائب جديدة، وتقشف، وكسر لوعود حزب العمال الانتخابية بعدم رفع الضرائب. الأسوأ أن الحكومة لم تحدد من هم «الناس العاملون» الذين تكرر الوعد، منذ انتخابها، بحمايتهم، بينما في الحقيقة تستهدف السياسات الضريبية والتقشف والاستقطاعات فئات لا تعدّها الآيديولوجية الاشتراكية للعمال «أناساً عاملين»؛ مثل المتقاعدين فوق السبعين، وأصحاب عقار الإيجار، ومتقاعدين كثيرين استثمروا في العقار كمعاش خاص (والفئتان يشيطنهما الإعلام الليبرالي اليسار وخطاب ساسة العمال)؛ والمستقلين في مهن حرة (4 ملايين) الذين أسهموا بـ366 مليار جنيه في الاقتصاد عام 2024، وأصحاب الأعمال الصغيرة (أسهموا بـ2.8 تريليون جنيه في 2024 ويشغّلون أكثر من 16 مليون شخص). ويحذر اقتصاديون من أن استهداف القطاع الأخير بضرائب إضافية، سيؤدي بأصحاب الأعمال إلى تسريح عاملين.
ثم جاء الأربعاء، يوم المساءلة الأسبوعية لرئيس الوزراء، وبدت الحكومة مهتزة أثناء الجلسة البرلمانية المذاعة على الهواء. كان ستارمر في قمة المناخ بالبرازيل، فوقف ديفيد لامي، أول وزير أسود أمام الـ«despatch box» (صندوق الرد على الأسئلة البرلمانية) بوصفه نائباً لرئيس الوزراء. الحدث كان تاريخياً، لكن الكاميرات (وتغريدات الصحافيين من منصاتهم) رصدت غياب زهرة الخشخاش من ياقة بدلته قبل أربعة أيام من أحد الذكرى، ما أثار استياءً واسعاً. زهرة الخشخاش ليست مجرد رمز تقليدي؛ بل تمثل في الوعي البريطاني احتراماً عميقاً لتضحيات الجنود الذين سقطوا في الحروب، خصوصاً الحربين العالميتين. تجاهلها في مناسبة رسمية يُعد إساءة وطنية، وبخاصة من مسؤول يمثل الحكومة في موقع الصدارة.
وبعد دقائق، ناوله زميل زهرة ليثبتها بتوتر، ليتضح لاحقاً أنه قضى صباحه يشتري بدلة جديدة للمناسبة التاريخية، بدلاً من مراجعة ملفاته. بدلة أنيقة، نعم، لكنها لم تخفِ ارتباكه ولا ضعف أدائه.
لامي، بجانب نيابته لرئيس الوزراء ـ هو أيضاً وزير العدل، واجه أسئلة متكررة من جيمس كارتليدج، وزير دفاع الظل ممثلاً لزعيمة المعارضة، حول ما إذا كان هناك مهاجرون آخرون أُفرج عنهم بالخطأ من السجون. السؤال كان مباشراً: هل يمكن للوزير أن يؤكد عدم حدوث حالات إفراج خاطئة أخرى؟ لكن لامي تهرّب من الإجابة، مكتفياً بتكرار وعده السابق بأن «أشد الإجراءات الرقابية تم تطبيقها». بدا عليه التوتر، وارتفعت نبرة صوته، وفقد هدوءه المعتاد.
القصة بدأت قبل أسبوع، حين أُفرج بالخطأ عن مهاجر إثيوبي غير شرعي كان من المفترض ترحيله. عاد بنفسه إلى السجن لتصحيح الخطأ، لكنّ الموظفين أرسلوه إلى محطة القطار، ثم اختفى لأيام قبل أن يُبلغ عنه مواطنون ويُعتقل مجدداً. ولتفادي ضجة هدد بافتعالها في المطار، مُنح مبلغ 500 جنيه رشوة صمت. لامي وعد بعدها بأن النظام قد تم إصلاحه.
لكن بعد انتهاء فقرة الأسئلة، رفع كارتليدج نقطة نظام، كاشفاً أن صحيفة «التلغراف» نشرت قبل دقائق من بدء الجلسة، خبراً عن إفراج خاطئ عن مهاجر جزائري قبل أربعة أيام، ما يعني أن لامي إما كان يعلم ولم يقل الصدق، أو لم يكن يعلم لأنه كان مشغولاً بشراء البدلة. الاتهام خطير، إذ يُعد تضليل البرلمان مخالفة برلمانية، كانت أطاحت ببوريس جونسون بوصفه رئيس حكومة.
البرلمان دخل بعد الجلسات في عطلة حتى الثلاثاء، لكن مشكلة الحكومة لن تختفي. أحزاب المعارضة طالبت بعودة لامي إلى البرلمان لتوضيح ما كان يعلمه صباح الأربعاء. فإما أنه كان يعلم بأمر الإفراج الخاطئ، وفي هذه الحالة يواجه تهمة تضليل البرلمان، أو، وهو الأسوأ، أنه لم يكن يعلم، لأنه كان مشغولاً بشراء بدلة اليوم التاريخي، تلك التي بدت عند صندوق الرد «ثياب الإمبراطور الجديدة».

