منذ تأسيسها، والمملكة تلتزم بتفعيل مجموعة من القيم الإنسانية في الداخل، بهدف إيجاد مجتمع نموذجي ومترابط، ينعم بالتفاهم والاستقرار والتناغم بين جميع أفراده، على اختلاف ثقافاتهم ودياناتهم، ومن أبرز تلك القيم، الضيافة والكرم والتسامح مع الآخر، التي أثمرت عن بيئة سعودية أكثر تقبلاً واستيعاباً للثقافات المختلفة، والتفاعل معها.
ويعيش على أرض المملكة أكثر من عشرة ملايين مقيم، ينتمون لأكثر من مئة وتسعين جنسية، ولم ينظر ولاة الأمر إلى هذا التنوع على أنه عبء، يتطلب التعامل معه بحذر، بل رأوا أنه مصدر إثراء إنساني وثقافي واقتصادي، يمكن استثماره في بناء مجتمع حيوي ومتفاهم، وكانت البداية بوضع أُطُر تنظيمية متقدمة، تضمن العدالة، وتحمي الحقوق، وسرعان ما تحوّل مشهد التواصل مع المقيم، من مجرد مبادرات حكومية، إلى ثقافة عامة راسخة في وجدان المجتمع السعودي، فأصبح المواطن والمقيم يلتقيان في ساحات العمل والتعليم والخدمة العامة والأنشطة التطوعية بروح من التعاون والتقدير المتبادل.
ويشهد تاريخ المملكة بأنها لطالما حرصت على تعزيز التواصل مع المقيمين فيها، وتراه أحد أبرز مظاهر الانفتاح الإنساني والاجتماعي، وتبلورت مشاهد هذا الانفتاح أكثر، تحت مظلة رؤية المملكة 2030، بمشروع وطني، يعزز قيم التسامح والتعايش، ويستثمر ما حققته السعودية من نجاحات في هذا الإطار، بتحويل التعامل مع المقيم من مجرد تنظيم إداري، إلى نموذج حضاري وإنساني، يعكس تطور الوعي الوطني والقدرة على إدارة التنوع الثقافي والبشري بكفاءة واقتدار.
وما كان للمملكة أن تصبح نموذجًا عالميًا في كيفية توظيف التنوع البشري لبناء مجتمع متماسك ومتعدد في آنٍ واحد، لولا تفعيل الحوار لبناء جسور التفاهم، والاستفادة من الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر مبادئ الاحترام المتبادل بين المواطن والمقيم، لتعزيز الاستقرار العاطفي والاجتماعي في ظل التعددية، ولولا الحرص على التوسع في البرامج المجتمعية التي تستهدف تعزيز الاندماج الثقافي والتبادل المعرفي، مثل الفعاليات التراثية والمهرجانات الوطنية التي تفتح أبوابها للمقيم للمشاركة والتعبير عن ثقافاته.
نجاح المملكة في إدارة التنوع البشري داخليًا، دفعها إلى نقل تجربتها إلى العالم عبر مبادرات مثالية، تركت أثراً اجتماعياً مهماً، مثل «مركز التواصل الحضاري» الذي رسخ أسس التواصل بين البشر، وساهم في ترسيخ ثقافة التسامح بين المختلفين، و»مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية» صاحب المبادرات الإنسانية على مستوى العالم، الأمر الذي ارتقى بمشاهد «القوة الناعمة» بالمملكة في صورتها الأجمل، وما يعزز من هذا الجمال، أن المملكة استطاعت الجمع بين الأصالة والتسامح، وبين الاعتزاز بالهوية والانفتاح على العالم.

