ناهد الأغا
في لحظة تليق بوطن يكتب مستقبله بثقة، أعلنت هيئة فنون العمارة والتصميم انضمام مدينة الرياض إلى شبكة اليونسكو للمدن المبدعة في مجال التصميم لعام 2025، لتضيف العاصمة صفحة جديدة إلى سجل إنجازاتها بوصفها حاضنة للفكر، ومختبراً مفتوحاً للخيال، ومركزاً إقليمياً يتسع للإبداع.
هذا الاعتراف العالمي هو ثمرة عمل تكاملي شاركت فيه مؤسسات حكومية، وجهات أكاديمية، ومنظمات مجتمع، وقطاع خاص رأى في التصميم لغة وطنية لا تقل حضوراً عن اللغة والثقافة والتاريخ.
جاء قرار اليونسكو كجملةٍ منطقية في سرد النهضة السعودية.. وكامتداد طبيعي لمدينة اعتادت أن تفعل أولًا، ثم تُدهش العالم ثانياً، انطلاقاً من رؤية 2030 التي أعادت تعريف علاقة الإنسان بمدينته، إلى المشاريع الكبرى التي غيَّرت شكل العمران، إلى الاستثمار في التعليم الإبداعي، وتوطين المهن الثقافية، وصناعة بيئة مبدعة محفزة.
الرياض التي تجمع بين الماضي والحاضر في حوار حيّ، بين التراث النجدي والابتكار المعاصر، وبين الطراز التقليدي للمساجد والقصور، والمشاريع الحديثة التي تشقّ المدينة بخيال معماري متجدد.
ومن قلب الرياض الحديث إلى حدائقها العامة، تتجلّى فلسفة التصميم التي تجمع بين الحداثة والأصالة، لتصنع هوية تصميمية فريدة تعكس رؤية المملكة في العمارة والإبداع، وفي درعية، التاريخ يلتقي بالتصميم العصري: حي طريف التاريخي، وادي حنيفة، ميدان الملك سلمان، مطل البجيري، وفي القدية، تمتد المشاريع لتروي قصة تحول حضري شامل
إن كل لحظة من الحياة اليومية تتحدث لغة الفن والتصميم: من مقر معرض إكسبو 2030، وحديقة الملك عبدالعزيز، وحديقة الملك سلمان والمجمع الملكي للفنون، إلى حدائق الملك عبدالله العالمية، وإستاد الملك سلمان الدولي، ومشروع المربع الجديد، والمسار الرياضي الممتد ومشاريع المدن السكنية كلها تشكل شبكة متكاملة من التجارب المعمارية والحضرية التي تمنح المدينة هويتها الفريدة والكثير الكثير الذي لا يمكنني اختصاره. إن هوية الرياض التصميمية تمثِّل نموذجاً متفرداً للعاصمة التي تحتفظ بذاكرة تاريخية عميقة، وتفتح الأبواب لإبداع معاصر يُقرأ في تفاصيل العمارة، وشوارعها، ومساحاتها العامة، وفي هذا التلاقي بين التراث والحداثة، بين الأصالة والتجديد، تتجلَّى فلسفة المملكة في توظيف الثقافة والإبداع كرافعة للتنمية المستدامة، وكوسيلة لتعزيز حضورها الدولي.
وقد كانت هيئة فنون العمارة والتصميم القلب النابض لهذه المبادرة، تقود ملف الترشيح بحرفية وإتقان، مبتكرة في أسلوبها، موثقة بالبيانات والمبادرات والشراكات، جاعلة من التعاون بين القطاع الحكومي والخاص والأكاديمي جسراً يربط الرؤية بالإبداع.
وفي الختام إنهّا: العاصمة مدينة في الوجدان ورواية ذات بداية مفتوحة لا يشترط الزمن فيها خاتمة، شخوصها مصمّمون يكتبون المكان بحواسهم قبل أدواتهم، ويُقيمون حوارات طويلة مع الضوء، والظل، والفراغ بالمباني التي تنهض كجملٍ راسية على الأرض، بالشوارع التي تُشبه الأسطر الممتدة بلا فاصلة أخيرة، وبالأفكار التي تتخذ شكل نافذة أو ممرّ يقود إلى مدينة جديدة داخل المدينة ثم للمدن الأخرى.
مدينةٌ تتّسع للجيل الذي يبنيها، وللجيل الذي سيعيد تفسيرها، وللجيل الذي لم يولد بعد لكنه سيجد اسمه على أحد جسورها أو حدائقها أو معارضها الدولية.
لا نهاية تُقفل القصة، لأن الرياض - في حقيقتها - لا تُغلق فصلاً إلا لتفتحه من جديد.

