من أهم ما توصل له مؤلفو الكتاب (هيوز جونيور وسوزان ماسينزيو وكيث ويتاكر)، أن الثروة العائلية لا تُفقد بسبب سوء الاستثمار، بل بسبب ضعف البنية العائلية! وهذا صحيح، إضافةً إلى أسباب أخرى لضياعها.
يقول مؤلفو الكتاب إنهم اكتشفوا أن أصل الثراء يرتبط بمفهوم الرفاهية، وليس الرصيد المصرفي، وهذا ما يحاول مديرو الثروات تحقيقه لعملائهم، في عالم يؤدي التركيز على جمع المال فقط في تقصير عمر الثروة، لأن الثروة كأي كائن حي، بحاجة إلى التوازن كي تعيش.
الطريف أو المحزن في الأمر أن البشر، بلا استثناء تقريباً، يموتون «حكماء». لكن هناك فرقاً بين اكتشاف ذلك مبكراً، وبين من يكتشفها في الأسابيع أو الأيام الأخيرة من حياته. والطريف أيضاً أن بعض ما توصَّل له مؤلفو الكتاب، سبق أن عرفته وطبَّقته أسر كويتية، قليلة.
ففي عالم تتبدد فيه معظم الثروات، بحلول الجيل الثالث، فإن التركيز على جمع المال وحده يقصِّر عمر الثروة، والمال، ككائن حي يحتاج إلى التوازن كما ذكرنا، ولكي تستمر في الحياة، هناك 5 أنواع من رأس المال، لا يمكن لأي عائلة أن تصمد من دونها:
1 - رأس المال الإرثي، الذي يوحد العائلة، ويمنحها أسباب البقاء.
2 - رأس المال الاجتماعي، ويتمثل في قدرة أفراد الأسرة على اتخاذ القرارات المشتركة وحل النزاعات.
3 - رأس المال الفكري، ويتمثل في المعارف والقيم التي يتعلمها أفراد الأسرة.
4 - رأس المال البشري، يتمثل في رفاهية كل فرد ونموه وتلبية احتياجاته.
5 - رأس المال «المالي»، الذي يجب ألا يكون مهيمناً على البقية أعلاه، بل وسيلة دعم لها.
لا أدري ما فائدة امتلاك الإنسان لمئات الملايين وابنه، أو ابنته، التي قد يكون أو تكون الوحيدة، ليست بجانبه، في أفراحه وأتراحه، وساعة وفاته؟! ما معنى الحياة أن يعيش الإنسان بين مليارات الدولارات، المكدسة في أكياس من الخيش، وهو يشعر بأن جميع من هم حوله، ينتظرون وفاته، بخلاف كلبه الوفي وشركة التأمين، إن وجدا؟!
وبالتالي فإن المحافظة على ثروة الأسرة تتطلب حوكمة وتخطيطاً مبكراً وطويل الأجل، فالمسألة ليست سهلة، بل تتطلب تحديد الأدوار والمسؤوليات وهياكل صنع القرار وتحديد رسالة العائلة.
يركز مؤلفو الكتاب على حقيقة تتعلق بأن هناك دورةً تسمى «من الثراء إلى الفقر»، والتي تفسر أسباب فقدان العديد من العائلات الثرية لثرواتها في غضون ثلاثة أجيال، ويقدمون، من خلال دراستهم القيمة، استراتيجيات لخلق ثقافة عائلية دائمة وحوار بناء بين الأجيال.
فمن أهم أسباب تلاشي الثروات الخلاف على الإدارة والمشاركة في الإرث. وهذا نجده يتمثل بحدة أكبر في الدول الإسلامية التي تنتهي فيها ثروة العائلة، مهما كانت واسعة، بموت الأب، المؤسس، وتقسيم تركته، بين أبنائه. وتصبح التركة نوعاً من المأساة، إذا كانت للمؤسس أكثر من زوجة، والأمثلة عديدة أمامنا. لذا نجد الثروات، خاصة المتمثلة في مصانع أو مؤسسات ضخمة، في الدول الغربية، وغيرها، تستمر لأنها تنتقل بكاملها تقريباً، لمن يختاره الوارث، وريثاً وحيداً، أما قاعدة «لا وصية لوارث»، فإنها قد لا تسهم في بناء الثروات، على الرغم من أنها أكثر عدالة.
يصنع الجيل الأول الثروة، ويقرر مصيرها الجيل الثاني، بصناعة الإرث الكبير، ومحاولة إدامة الحلم، وتبدأ الكارثة مع الجيل الثالث، عندما يغيب الشعور بالانتماء والترابط، اللذين يجعلانهم جزءًا من قصة العائلة، لا مجرد ورثة حساب مصرفي، مع غياب دور أو اختفاء دور كبار العائلة، وغياب الرغبة في تصور ما ستكون عليه الأسرة الكبيرة بعد مئة أو حتى مئة وخمسين عاماً، وهذا يتطلب إدراكاً وشجاعة، وجرأة على التخطيط للمستقبل البعيد، وليس التفكير في الأرباح المقبلة.
أحمد الصراف

