: آخر تحديث

الملحمة الوطنية

1
1
1

موسى بهبهاني

كنتُ بالمنزل وجاء إليَ حفيدي مهدِي، طالباً مني مُساعدتهُ للاشتراكِ في مُسابقةٍ نظمتها له مدرستهُ، بطريقة تنافسية جميلة، الهدفُ منها زرعُ الماضي فِي قلوبِ الأطفال كي لا ينسوا تاريخَ وشجاعة أبناء وطنهم...

والمسابقة تحكي عن حرق الآبار النفطية إبَّان انسحاب القوات الغازية من الكويت.

كم هو جميل عندما يذكّرنا الصغار بذكريات مضت منذ سنوات ويجعلوننا نعيشها في سَردِها لهم وكأنها حصلتْ للتّو لا الأمس...

الملحمة البطولية الأولى:

واجه أهل الكويت تلك المِحنة (الغزو) بإرادة صلبة برفض التعاون مع الغزاة وتمسكهم بقيادتهم الشرعية وكان عنوانها (العصيان المدني ومقاومة المحتل) حتى عادت الكويت حرة.

الملحمة البطولية الثانية:

كانت بإعادة الأعمار في مؤسسات الدولة والمنافذ البحرية والجوية والبرية بسواعد أبنائها بعد أن دمرت من الغزاة.

قام أبناء الوطن بإعادة الموانئ البحرية التجارية للعمل بعد عمل دؤوب لإزالة كل العوائق وتأمين الممرات البحرية والأرصفة لاستقبال السفن المختلفة. وتم تشغيل ميناء الشويخ في 1991/8/14، وتم تشغيل ميناء الدوحة في أوائل شهر 6 /1991. وتم تشغيل ميناء الشعيبة في 1991/3/12.

حرق الآبار

وعندما انسحب الغزاة من الكويت قاموا بجريمة العصر الحديث مسببين أكبر كارثة نفطية وبيئية شهدها العالم.

قام الغزاة بعملهم التخريبي بتفجير الآبار النفطية الكويتية والتي بلغت 737 بئراً قبل اندحار قواتهم من الكويت في شهر فبراير 1991.

نعود إلى تلك الأيام التي كانت سوداء بمعنى الكلمة، فالسماء غطتها الأدخنة السوداء وحجبت أشعة الشمس وكان الظلام سائداً ليلاً ونهاراً واستمر ذلك لشهور عدة، ناهيك عن تفجير الآبار والخزانات النفطية ما أدى إلى تدفق النفط إلى خارج الخزانات والآبار، مكونة بحيرات نفطية هائلة وصلت لمئات الكيلومترات، بالإضافة إلى التلوث البيئي الكبير الذي طال المدر والحجر.

وكان لانتشار الدخان الكثيف المحمّل بالمواد الضارة الأثر السلبي على الصحة العامة وتأثيراته المستقبلية، حيث ارتفع عدد المصابين بأمراض الجهاز التنفسي والجهاز الهضمي، بالإضافة إلى التأثير المباشر على حالات الولادة والعيوب الخلقية لحديثي الولادة، كما تسببت الأمطار النفطية بعدد من الأمراض الجلدية وضعف المناعة وازدياد الحالات السرطانية.

ومرة أخرى، واجه أبناء الكويت تلك المحنة بإرادة لا تنكسر وعزيمة لا تلين.

ففي القطاع النفطي تم تشكيل فريق الإطفاء الكويتي الذي ضم 30 عضواً من ضمنهم امرأة، وأدوا واجبهم باحترافية كبيرة بالرغم من المخاطر المحدقة بهم لقربهم من النيران المشتعلة، والحرارة العالية، وتدفق النفط من باطن الأرض وتشكيله للبحيرات النفطية والتلوث الكبير في مواقع العمل.

وكانت التقارير الصادرة من الفرق الأجنبية تفيد بأن عملية الإطفاء قد تستمر لفترة خمس سنوات!

إلا أن الحكومة آنذاك بقيادة أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد، وولي العهد الشيخ سعد العبدالله، طيّب الله ثراهما، قررت بان تكون عملية الإطفاء بسرعة قياسية، فقدمت الدعم بتوفير الآليات الحديثة والمعدات المتقدمة للقيام بإطفاء الآبار بزمن قياسي.

وبالرغم من مشاركة فرق عالمية عدة إلا أن الفريق الكويتي كان من الفرق المتقدمة والسباقة في إطفاء حرائق الآبار.

بدأت عملية الإطفاء يوم 11 مارس 1991، واحتفلت الكويت باطفاء آخر بئر في صباح يوم الأربعاء الموافق 6 نوفمبر 1991.

وتحت رعاية سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيّب الله ثراه، كبس سموه على زر إطفاء آخر بئر مشتعلة، لتسجل الكويت ملحمة تجسّد عزيمة أهل الكويت بجهود أبنائها المخلصين، وبالتعاون مع فرق الإطفاء العالمية وهذا يعد إنجازاً تاريخياً كبيراً سيبقى حياً في الذاكرة.

ففي وقت الشدائد والمحن تظهر مواقف أبناء الكويت بعملهم التطوعي في سبيل الارتقاء بالوطن، وكان وقوف أبناء الشعب الكويتي خلف قيادتهم دافعاً لهذه الإنجازات العظيمة التي تحققت والتي ساهم فيها جميع أطياف المجتمع الكويتي الكبير والصغير منهم.

ستبقى هذه الذكرى في قلوبنا وفي قلوب الأجيال القادمة ليتبين لهم عزيمة أهل الكويت في إنجاز ما يعجز عنه الآخرون.

وكل الشكر لوزارة التربية على رعايتها تلك الفعاليات من خلال جهود الطاقم التعليمي في المدارس لتوصيل هذه الأحداث التي أصبحت من التاريخ إلى الأجيال التي لم تر هذه الأحداث، فتلك الأحداث لا يمكن أن تنسى أو تُمحى من تاريخ الكويت لأن التضحيات والجهود التي قام بها أبناء الوطن كان عملاً وطنياً وبطولياً وإنسانياً.

والشكر موصول لإدارة المدرسة، وللأسر الكريمة على جهودهم لإحياء تلك الأحداث البطولية في قلوب أبنائهم، والشكر الخاص للأبناء على جهودهم للمشاركة الفاعلة بتلك المسابقة الوطنية.

وهنا تجب الإشادة بالكوادر الوطنية التي كان لها الدور الكبير في إعادة الإعمار إلى مرافق الدولة الحيوية، ومهما أشدنا واثنينا على هذه النخبة فلن نوفيهم حقهم، لأن فعلهم هذا هو فعل معجزات ولو قدر الاستعانة بعمالة أجنبية لما قاموا بمثل ما قام به أبناؤنا، فبكل فخرٍ واعتزاز نهدي لهؤلاء التحية والامتنان سواء من هو على قيد الحياة منهم أو من انتقل إلى رحمة الله تعالى، وما استعرضناه هو ومضة مشرقة في تاريخ الكويت وستبقى درساً وطنياً وعبرةً للأجيال القادمة.

وأخيراً نترحم على جميع شهدائنا الابرار، ونقول لهم بدمائكم الزكية تحرّرت الكويت، ولن ننسى تضحياتكم، ونعزي ذويهم وندعو المولى عز وجل لهم بالرحمة والمغفرة.

وندعو الباري عز وجل بأن يحفظ الكويت آمنة مطمئنة، والحمد لله رب العالمين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد