: آخر تحديث

قراءة موضوعية في مسألتي حل الدولة الواحدة وحل الدولتين

3
2
2

لا شك في أنَّ موضوعي "حل الدولة الواحدة" و"حل الدولتين" يطرح بشكل دائم من قبل الفلسطينيين أو مناصريهم على مختلف مشاربهم، ويثير الكثير من الجدل، وقد تعددت الآراء في ماهية الخيار الأمثل، فلكل خيار مريدوه ومنظروه، وهذا ما يجعل هناك ضرورة من وقت لآخر أن تكون هناك نظرة فاحصة لهذان الخياران للنظر في أيهما أكثر قابلية للتطبيق، وعليه سأحاول أن أتطرق لهذا الموضوع بنوع من التجرد والواقعية.

سأتناول أولاً حل الدولة الواحدة، حيث ينقسم أنصار هذا الحل إلى فئتين، الأولى تنادي بدولة ديمقراطية لكل مواطنيها على كامل أرض فلسطين التاريخية على أساس أن يتم طرد اليهود وإعادتهم لبلادهم التي أتوا منها، وبالتالي تعود فلسطين لأهلها وتصبح دولة ديمقراطية لكل مواطنيها. وبنظرة سريعة لما تطرحه هذه الفئة نرى أنه يعبّر عن نظرة قاصرة للأحداث والمعطيات على الأرض وأحلام مستحيلة التحقق في ظل معادلات القوة الحالية، وما نشأ من تحولات سياسية واجتماعية وغيرها خلال العقود السابقة.

أمَّا بالنسبة إلى الفئة الثانية، والتي تقترب في مفهومها مما حدث في جنوب أفريقيا، أي أن تكون هناك دولة ديمقراطية واحدة تتساوى فيها حقوق جميع مواطنيها من الفلسطينيين والإسرائيليين، فهذا يطرح إشكاليات جوهرية تتعلق بالبنية والتركيب السكاني لهؤلاء المواطنين، والذي لا يشبه نموذج جنوب أفريقيا، لا من حيث الشكل ولا من حيث المضمون، وإن كان يتقاطع معه في بعض الأمور. لماذا؟ في نموذج جنوب أفريقيا من الناحية الديموغرافية كانت هناك أقلية من البيض تسيطر على أغلبية من السكان الأصليين من السود، وكانت تلك الأقلية تطبق نظام فصل عنصري على الأغلبية، الأمر الذي تحول لاحقاً ومع الوقت إلى نضال جدي لإسقاط ذلك النظام العنصري البغيض، عبر حشد دعم دولي شاركت فيه كل القوى التقدمية في العالم للتخلص من ذلك النظام عبر حصاره وعزله بضغط شعبي عالمي كبير، وقد أتى ذلك في ظل متغيرات دولية مواتية، في وقت كانت فيه أوروبا والعالم يشهدان تحولات كبيرة في مسار تعزيز قيم العدل والمساواة ورفض العنصرية والتخلص منها، وعليه تم تفكيك هذا النظام من خلال قلب الصورة، عبر عملية سياسية أدّت إلى تمكين الأغلبية من الوصول إلى الحكم مع الحفاظ على حقوق الأقليّة. ولا بدّ من القول إنّ هذا أتى بعد أن انحازت الولايات المتحدة الأميركية للأغلبية الدولية، وبذلك حصل التحول الذي أدّى إلى نموذج جنوب أفريقيا الحالي.

أما في ما يتعلّق بفلسطين، فالموضوع مختلف، حيث إن هناك الآن مجموعتين سكانيتين متساويتين تقريباً من حيث تعداد السكان تقطنان الأراضي الواقعة ما بين النهر والبحر، وكذلك فيما يتعلق بمغتربيها. فالمجموعة الأولى، وهي الفلسطينيون أي السكان الأصليون لهذه البقعة الجغرافية، نرى أنهم شعب متعلم ولديه إمكانيات كبيرة قادرة على إحداث نقلة نوعية إذا ما أتيحت له الفرصة، ولديه تشبث بأرضه وثقافته وإرثه الحضاري ويطور من أدوات صموده بشكل إعجازي. لكنه في الوقت نفسه شعب منقسم، لا يحمل الفكر نفسه أو الرؤية نفسها فيما يتعلق بقضيته الرئيسية، شعب أنهكته المغامرات العسكرية والسياسية والأيديولوجيات المختلفة.

أما المجموعة الثانية، أي إسرائيل، فهي شعب شبه متحد حول مفهوم العدو المشترك وعقدة البقاء والخوف من الفناء. كما أنه شعب متطور تكنولوجياً، لديه قدرات عسكرية هائلة، ووضع اقتصادي قادر على مواجهة الصعاب، والأهم أن لديه دعماً هائلاً من الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من الدول العظمى في مجالات الإعلام والتبادل التجاري والعسكري وغيرها من الأمور التي تتشابك فيها مصالح تلك الدول مع إسرائيل، مما يجعل تطبيق نموذج الحصار الاقتصادي والثقافي وغيره الذي استُعمل في نموذج جنوب أفريقيا من الصعوبة بمكان، وهذا رأيناه في حركة المقاطعة التي تعمل منذ أكثر من عشرين عاماً، والتي تحقق نجاحات كبيرة، لكنها تبقى غير كافية لإحداث التحول المطلوب.

وهنا يجب أن نطرح الفرضية التالية: إذا أدّت كل الجهود المبذولة إلى موافقة الطرفين على حل الدولة الواحدة، فإنّ أسئلة بديهية ستظهر نتيجة لذلك. منها على سبيل المثال: ماذا سيكون اسم الدولة الواحدة؟ فلسطين أم إسرائيل؟ وهل سيقبل أحد الطرفين بأن يتنازل في هذا الموضوع؟ أم سيتم اختيار اسم جديد للدولة؟ ماذا سيكون علمها؟ علم فلسطين أم علم إسرائيل؟ أم أن علمها سيدمج بين العلمين؟ وهل ستقبل إحدى المجموعتين التنازل للأخرى؟ وعليه فإن الإجابة عن هذه الأسئلة البسيطة، قبل الدخول في أسئلة أعمق تشمل البنية السياسية والاقتصادية والثقافية وغيرها، تعتبر في وجهة نظري صعبة جداً إن لم أقل مستحيلة!

فقد جرت مناقشات فلسطينية كثيرة حول هذا الموضوع خصوصاً في حقبة السبعينات والثمانينات، وكان هناك متحمسون لهذا الخيار وخصوصاً من اليسار الفلسطيني لدرجة أن أحد المفكرين طرح فعلياً أن يدمج العلم الجديد ألوان العلمين وأن تُستبدل النجمة السداسية بنجمة ثمانية، وأيضاً مقترح الرئيس الأسبق معمر القذافي فيما يتعلق بالاسم والذي اقترح أن تسمى (إسراطين). ولكن أنا كمواطن فلسطيني عشت حياتي وكرستها من أجل أن تكون هناك دولة اسمها فلسطين، وكذلك غيري الملايين من أبناء هذا الشعب، كيف لنا أن نقبل بغير ذلك؟ وعليه فإنني أجد أن هذا الخيار مستحيل التحقيق، على الأقل في الوقت الحالي بظروفه ومعطياته، وإن كل من ينادي بهذا الحل لا يرون الصعوبات الكبيرة المتمثلة في هذا الخيار، وإنما ينغمسون في حالة من الوهم المرتبط بما حدث في جنوب أفريقيا، وأيضاً في إطار القضاء على الإمبريالية أو الرأسمالية أو الهيمنة الأميركية، وما إلى ذلك من التوجهات اليسارية ممن يرون في هذه القضية تمثيلاً حقيقياً عنهم وعن نضالهم المشروع في تحقيق ما يحلمون به، لكن الحالة هنا مختلفة تماماً مع وجود بعض التشابه في السياسات العنصرية وغيرها من الممارسات بين النظامين. ويجب ألا ننسى أيضاً حالة الكره والحقد الشديدين التي ولدتها التجارب السابقة بين المجموعتين، بما في ذلك أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) وما تلاه، والتي تحتاج لعقود طويلة من العمل الجاد للعودة إلى مناخ من شأنه أن يخلق حالة من القبول بالآخر، وتجاوز ما حدث.

أما حل الدولتين، فهو يعتبر بوجهة نظري الخيار الأمثل والعملي والقابل للتحقيق في هذا الوقت، حيث إنه قد تم العمل عليه منذ فترة طويلة، حيث وصلت التفاهمات إبان عهد الرئيس كلينتون في كامب ديفيد إلى الاتفاق على ما يقرب من تسعين بالمئة من المواضيع المتعلقة بالحل النهائي، وتمت متابعة باقي التفاصيل في محادثات طابا 1 وطابا 2. وعليه يمكن القول إنه قابل للتحقيق وفي زمن قياسي بعد انضمام الولايات المتحدة مؤخراً إلى هذا الخيار، وهذا ما لا يتوفر في موضوع حل الدولة الواحدة الآن.

هذا الحل سيتم بمقتضاه الفصل بين المجموعتين ومنحهما استقلالية في اختيار طريقة حياتهما وسياستهما الداخلية بما يتوافق مع تراثهما وثقافتهما. وهو الأمر الذي قد يؤدي بعد عمل مكثف على تهيئة مناخ مناسب بين الأجيال الجديدة، إلى حل الدولة الواحدة ولكن بمفهوم مختلف، على غرار علاقات الاتحاد الأوروبي، أو كاتحاد فيدرالي أو كونفدرالي مثلاً، ولكن بعد أن يتحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه ويقيم دولته المعترف بها من قبل دولة إسرائيل ذاتها، وينمي من قدراته ويتحد ويصبح قادراً على الدخول في تلك المعادلة من باب المساواة في القوة، حينها يمكن القول إن هذا قد يحقق للأجيال المقبلة الاستقرار ولكن في إطار استقرار إقليمي أوسع، ودون إلغاء خصوصيات الشعبين في مختلف المجالات، حينها يمكن القول إنه قد يكون هذا تحقيقاً واقعياً لحل الدولة الواحدة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.