: آخر تحديث

علي شريعتي.. «النباهة والاستحمار»

3
2
3

بعد كتابة أكثر من 7 أو ربما 8 آلاف مقال، تبين لي، مؤخرا ومتأخرا، أن من الصعب على الكاتب توقع ردود فعل القراء على ما يكتب، وهذا يشبه الطبق الجديد الذي يعده «الشيف» لضيوفه، حيث يصعب عليه، مسبقا، معرفة ردة فعلهم! انطبق هذا على مقال الاثنين، الماضي، الذي كان عنوانه الأصلي «الاستحمار والاستعمار» (قبل تغييره)، حيث لم أتوقع أبدا أن يلقى كل ذلك التجاوب والقبول.

***

للمفكر الإيراني الراحل «علي شريعتي» (1933 - 1977)، كتاب بعنوان «النباهة والاستحمار»، يربط فيه مفهوم «الاستحمار» بتزييف وعي الإنسان وسلب نباهته، سواء كان ذلك بمواضيع الجهالة أو بتشتيت الذهن عن القضايا الأساسية، ويُبين في كتابه أن الإنسان يُسخَّر كما تُسخَّر الدابة في خدمة قضايا معينة، غالبا ليست نبيلة، داعيًا إلى انتباه الفرد والمجتمع لهذه الأمور، وجعلها وسيلة للتحرر من القمع الفكري. فمفهوم الاستحمار عند شريعتي يعني سلب الإنسان لإنسانيته وتوجيه وعيه بطريقة تجعله خاضعًا، ويتم ذلك عن طريق إلهاء الإنسان عن حقوقه الأساسية، وتوجيه ذهنه وتفكيره نحو الجهل والغفلة. كما بيَّن شريعتي الفرق بين الاستحمار والجهل، بكون الاستحمار عملية تخدير ممنهجة للذهن وتحويله عن مساره، خدمة لأهداف معينة، بينما الجهل موضوع آخر تماما. يعتبر كتاب «النباهة والاستحمار»، الصغير بحجمه، والذي يتكون أساسا من نص محاضرة ألقاها شريعتي في قاعة دينية شهيرة في طهران، العاصمة الإيرانية، من أشهر كتب هذا المفكر الكبير، الذي اعتبره الإيرانيون فيلسوفا، أو معلم الثورة الإيرانية التي نجحت عام 1979، لكنه توفي قبل رؤية ما انتهت إليه، والتي نجحت في الإطاحة بنظام الشاه البغيض، وكيف أسهمت كتاباته ومحاضراته، التي كان يلقيها في مختلف المدن الإيرانية في صنع الأيديولوجيا السياسية والدينية للثورة، التي استطاعت بقوتها جذب آلاف الشباب الإيرانيين، الذين كانوا يتوقون للحرية، إلى الالتحاق بالثورة. ويرى شريعتي، إلى جانب الاستحمار السياسي، أن هناك «استحماراً دينياً»، وهو أيضا نوع خطير من الاستحمار، وأكثر تأثيرا في النفوس. وهناك شواهد متعددة من التاريخ على لجوء الكثير من الأنظمة إلى توظيف الدين لمصالحها السياسية، بما يخدم خطها السياسي، والموضوع طويل ومشوق.

توفي شريعتي في بريطانيا عام 1977، عن 44 عاما، إثر أزمة قلبية، لكن يعتقد، بشكل واسع، أن مخابرات الشاه كانت وراء قتله، خاصة أن السلطات البريطانية رفضت الكشف عن نتائج التحقيق في ملابسات «وفاته».


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد