تخيّل صيفًا خليجيًا حارًا، حيث تلامس الحرارة 45 درجة مئوية، ومكيفك يعمل بكامل قوته بقدرة 2.5 كيلوواط، وسيارتك الكهربائية تُشحن بـ 22 كيلوواط ساعة، وغسالتك تدور بـ 1.5 كيلوواط، وكل ذلك مجانًا. ليس حلمًا، بل خطة أسترالية مُعلنة في تشرين الثاني (نوفمبر) 2025، وستبدأ تُنفّذ في تموز (يوليو) 2026، ثلاث ساعات كهرباء يومية مجانية لأكثر من 4.2 مليون منزل، مستغلةً فائض الطاقة الشمسية الذي يصل إلى 15 جيجاوات نهارًا. الخطة تُسمى "Solar Sharer"، وتحول مشكلة الفائض إلى هدية يومية من 11 صباحًا إلى 2 ظهرًا، مما يُشجع الأسر على تشغيل الأجهزة الكبيرة وشحن السيارات الكهربائية في هذه الفترة، فيُخفّض الضغط على الشبكة مساءً بنسبة 25 بالمئة، ويُوفّر لكل أسرة حتى 400 دولار سنويًا، وفقًا لتقرير هيئة تنظيم الطاقة الأسترالية (AER) لعام 2025.
وبالنسبة إلى الخليج، فإنَّ السؤال الذي يطرح نفسه ليس "هل نستطيع؟"، بل "كيف نبدأ؟"، لأن الجواب واضح: نعم، وبقوة تفوق أستراليا. الخليج يمتلك أعلى إشعاع شمسي في العالم، يصل إلى 2200 كيلوواط ساعة لكل متر مربع سنويًا، أعلى من أستراليا بأكثر من 20 بالمئة (1800 كيلوواط ساعة للمتر المربع)، وفقًا لتقرير البنك الدولي لعام 2024. الشمس تشرق هنا 360 يومًا في السنة، ومشاريع مثل "نور أبو ظبي" في الإمارات سعة 2 جيجاوات و"ضبا" في السعودية سعة 1.5 جيجاوات تولد بالفعل فائضًا يصل إلى 10 جيجاوات نهارًا، أكثر مما تحتاجه الشبكة بأكثر من 40 بالمئة في أيام الشتاء، حسب بيانات هيئة كهرباء ومياه دبي (DEWA).
في دبي وحدها، يمكن للألواح السكنية أن تغطي 70 بالمئة من الاستهلاك النهاري، وفي نيوم، المستقبل يبدأ الآن بمزارع شمسية تُنتج أكثر مما تستهلك المدينة بأكملها بـ 30 بالمئة. والأهم لدينا شبكة كهربائية مشتركة (GCCIA) تربط الدول الست بسعة 3 جيجاوات، تتيح تصدير الفائض من السعودية إلى الكويت صباحًا بـ 500 ميجاواط، ومن الإمارات إلى عمان مساءً بـ 300 ميجاواط، وهذا يعني أن "الساعات المجانية" يمكن أن تكون إقليمية لا محلية فقط.
ولسنا وحدنا في هذا السباق. في ألمانيا، حيث يوجد أكثر من 3.1 مليون منزل شمسي، تقدم شركات مثل E.ON وRWE "ساعات مجانية" طوعية من 10 صباحًا إلى 3 مساءً، مما خفض الفواتير بنسبة 20 بالمئة لـ 1.8 مليون مشارك، وقلل الضغط على الشبكة بنسبة 18 بالمئة، وفقًا لتقرير وكالة الطاقة الألمانية (DENA) لعام 2025. وفي كاليفورنيا، أطلقت شركة PG&E برنامج "Time-of-Use" في 2025، يمنح كهرباء مجانية من 12 ظهرًا إلى 3 مساءً لأكثر من 2.3 مليون منزل، مما وفّر 300 دولار سنويًا لكل أسرة، وقلل انبعاثات الكربون بنسبة 12 بالمئة، حسب بيانات لجنة المرافق العامة في كاليفورنيا (CPUC).
أما في جنوب أفريقيا، فبرنامج "Free Basic Electricity" يقدم ساعتين مجانيتين يوميًا لـ 1.2 مليون منزل فقير في جوهانسبرغ، مستفيدًا من 5 جيجاوات فائض شمسي، مما قلل انقطاعات التيار بنسبة 20 بالمئة، وفقًا لتقرير شركة Eskom لعام 2025. وفي الهند، برنامج "PM Surya Ghar" يمنح ساعات مجانية لـ 10 ملايين منزل ريفي، مما يوفر 5 مليارات دولار سنويًا، حسب وزارة الطاقة الجديدة والمتجددة الهندية.
هذه التجارب تُثبت أن الفكرة ليست خيالية، بل قابلة للتكرار، وفي الخليج يمكن أن تكون أكثر كفاءة بسبب الإشعاع العالي والشبكة المشتركة. تخيّل تطبيقًا عمليًا نبدأ في دبي، حيث 70 بالمئة من المنازل مزودة بعدادات ذكية (أكثر من 1.5 مليون عداد)، بتجربة لنصف مليون منزل في 2026، نمنحهم 3 ساعات مجانية من 11 إلى 2 ظهرًا. الشركات مثل "ديوا" تُلزم بتقديم العرض، والحكومة تدعم تركيب بطاريات منزلية بخصم 50 بالمئة (تكلفة البطارية 10 كيلوواط حوالي 3000 دولار).
ثم ننتقل إلى الرياض، حيث رؤية 2030 تستهدف 40 جيجاوات شمسية بحلول 2030، ونُلزم "الشركة السعودية للكهرباء" بالنموذج نفسه. وبحلول 2028، نربط الشبكة الإقليمية لتصدير "الكهرباء المجانية" عبر الحدود، فتصبح قطر تُرسل فائضها إلى البحرين بـ 200 ميجاواط، وعمان تُستقبل من الإمارات بـ 150 ميجاواط. النتيجة؟ 10 ملايين منزل مشمول، 30 بالمئة من الطاقة من الشمس، وتوفير يصل إلى 600 ريال شهريًا لكل أسرة، أي 15 مليار دولار سنويًا للدول مجتمعة، مع تقليل انبعاثات CO₂ بـ 15 مليون طن، وفقًا لحسابات معهد الشرق الأوسط للطاقة.
لكنَّ التحديات حقيقية. الدعم الحكومي للكهرباء، الذي يجعل سعر الكيلوواط ساعة 3 هلالات فقط في السعودية و5 هلالات في الإمارات، يُشجع على الهدر ويُقلل جاذبية الاستثمار في الألواح أو البطاريات، مما يؤدي إلى هدر فائض بنسبة 15 بالمئة في أيام الشتاء. الغبار والعواصف الرملية تُقلل كفاءة الألواح بنسبة 20 إلى 30 بالمئة، وغياب هيئات تنظيمية مستقلة يُبطئ الإصلاحات. كما أن مقاومة شركات النفط قد تُعرقل التحول، خاصة في دول تعتمد على الغاز بنسبة 60 بالمئة.
لكن الحلول موجودة، نرفع التعرفة تدريجيًا إلى 10 هلالات مع تعويض الأسر الفقيرة عبر برامج دعم مباشر، نُنشئ "هيئة الطاقة المتجددة" في كل دولة لتنظيم السوق، ونستخدم أنظمة تنظيف آلية وبطاريات تخزين كما في مشروع "نور أبو ظبي" الذي يحقق كفاءة 95 بالمئة بالرغم من الغبار. وأخيرًا، نُحوّل شركات النفط مثل أرامكو وأدنوك إلى "شركات طاقة شاملة"، فتُصبح هي المستفيد الأكبر من بيع البطاريات والخدمات الشمسية.
ربما من المناسب إطلاق تجربة تجريبية في دبي والرياض لمليون منزل بحلول 2027، مع ربط النتائج بالشبكة الإقليمية لتصدير 1 جيجاواط فائض، وإلزام الشركات بتقديم "عروض شمسية مجانية" ضمن تعرفة موحدة، مع دعم حكومي لتركيب 5 ملايين عداد ذكي بتكلفة 500 مليون دولار. مع إنشاء صندوق إقليمي لدعم البطاريات المنزلية بقيمة 2 مليار دولار، مموّل من عائدات النفط، وإطلاق حملة توعية بعنوان "من 11 إلى 2… كل شيء مجانًا!" لتشجيع نقل الاستهلاك إلى النهار، مع تطبيقات ذكية تُظهر التوفير اليومي.
في النهاية، أستراليا لم تكن الأولى في استغلال الشمس، لكنها الأولى في تحويل الفائض إلى هدية يومية. الخليج يمتلك الشمس، والمال، والشبكة، والإرادة، كل ما ينقصه هو قرار سياسي واحد. تخيّل صيف 2027 مكيفك يعمل، سيارتك تُشحن، وكل شيء مجانًا من 11 إلى 2 ظهرًا. السؤال ليس "هل نستطيع؟"، بل: متى نبدأ؟


