: آخر تحديث

حرمة التعدي على جنود الحرمين الشريفين ومكانة الأمن في خدمة ضيوف الرحمن

1
0
1

منيرة أحمد الغامدي

منذ أن شرف الله هذه البلاد بخدمة الحرمين الشريفين أصبحت حماية أمنهما عبادة وصون حدودهما شرفًا، وضمان سلامة الحجاج والمعتمرين واجبًا دينيًا وإنسانيًا قبل أن يكون مهمة مهنية، فجنود الحرمين الشريفين بمختلف مواقعهم يمثلون الصفوف المتقدمة والأمامية في حماية أطهر البقاع، وفي خدمة ضيوف الرحمن الذين يفدون من كل فجٍّ عميق لأداء مناسكهم في أمن وطمأنينة.

ورغم هذا الجهد الإنساني الجليل والعظيم فإن بعض التصرفات الفردية من بعض الزوار أو الحجاج والمعتمرين قد تسيء إلى قدسية المكان أو إلى من يخدمونه سواء بجهل أو بانفعال عابر. إن أي تعدٍّ لفظي أو فعلي على رجال الأمن في الحرمين الشريفين لا يُعد إساءةً لشخصٍ بعينه بل هو مساسٌ بحرمة المكان نفسه وبالمنظومة التي أقامها الله على الطمأنينة والنظام. هؤلاء الجنود يقفون تحت الشمس وفي الزحام ساعاتٍ طويلة لتأمين الملايين وضمان انسيابية الشعائر دون فوضى أو خطر، ومع ذلك يتحملون بصبرٍ وحكمةٍ ما لا يطيقه غيرهم من ضغطٍ ومواقف.

ولأن الحرم مكانٌ جعله الله مقصدًا للأمن والسلام فقد نصّت الشريعة والأنظمة المرعية في المملكة على تغليظ العقوبات تجاه من يعتدي على رجال الأمن أو يخرق النظام فيه إدراكًا لقدسية المكان ومكانة المهمة؛ فالذنب في الحرم ليس كغيره خارجه وكل إساءة فيه تُعدّ مضاعفة في أثرها ومعناها لأن حفظ حرمة الحرم هو حفظٌ لهيبة الدين نفسه. وخلف الزيّ العسكري تقف قلوبٌ رحيمة ووجوهٌ صبورة، فصور العطاء التي يقدمها جنود الحرمين تكشف معدنهم النبيل وإنسانيتهم العالية، فهم الذين يهرعون لمساعدة كبير السن ويمدّون أيديهم لحمل مريضٍ أو طفلٍ تائه ويعاملون الزائرين بلطفٍ واحترامٍ رغم ضغط الأعداد والمواقف. كم من مشهدٍ رأيناه يعكس هذا التوازن المدهش بين الانضباط العسكري والرحمة الإنسانية بين الصرامة في أداء الواجب والحنان في التعامل مع ضيوف الرحمن.

ومن هذا المنطلق الإنساني تبرز أهمية تكثيف البرامج التوعوية الموجهة للحجاج والمعتمرين في الداخل والخارج قبل قدومهم لتعريفهم بأنظمة الحرمين وآداب التعامل داخلها فكثير من التجاوزات لا تصدر عن سوء نية بل عن جهلٍ بالأنظمة أو سوء فهمٍ لمعنى التعبد داخل الأماكن المقدسة، والتوعية المسبقة تُجنّب الحاج أو المعتمر الوقوع في تصرفات تُسيء لعبادته أو تُعرّضه للمساءلة.

ولأن بناء الوعي لا ينفصل عن بناء القيم الوطنية فإن تعزيز ثقافة الاحترام والانضباط داخل الحرمين الشريفين يُعدّ جزءًا من المشروع الحضاري الأوسع في رؤية المملكة 2030 التي تربط بين الإيمان والسلوك المسؤول وتُبرز أن النظام قيمة روحية قبل أن يكون التزامًا قانونيًا، فخدمة ضيوف الرحمن ليست عملاً إداريًا فحسب بل منظومة من القيم والإدارة والتقنية والإخلاص الإنساني التي جعلت من المملكة أنموذجًا عالميًا في تنظيم الحشود وإدارة الشعائر.

لقد قدّمت الدولة السعودية عبر تاريخها نموذجًا فريدًا في الجمع بين الأمن والرحمة بين القوة والإنسانية حتى غدا الحرمين الشريفين رمزًا للسكينة والسلام، وجنود الحرمين هم حماة هذا الأمن، وسفراؤه أمام العالم الإسلامي يمثلون الوطن في أبهى صوره ويمثلون قيمه في أقدس بقاع الأرض، ولذا فإن الاعتداء عليهم لا يمسّ أشخاصهم فحسب بل يطعن في قيم الاحترام التي قامت عليها خدمة الحرمين منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه- وحتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وسمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله.

فلنرفع أكفنا بالدعاء أولا لحكومتنا التي أولت رعاية الحرمين كل الاهتمام والرعاية، وثانيا لهؤلاء الجنود البواسل الذين يسهرون لتنام الأمة آمنة، ونقول لهم أنتم الحُرّاس على أبواب الرحمة وسواعد الطمأنينة التي كتب الله بها الأمن في بيت الله الحرام، واحترامكم ليس مجاملة بل عبادة وسلوكٌ حضاريٌّ يليق بقدسية المكان الذي تخدمونه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد