: آخر تحديث

نافذة إنقاذ السودان لم تغلق

2
1
2

علي عبيد الهاملي

هذا الخراب الشامل الذي انتهت إليه الأحوال في السودان لم يهبط من السماء، بل هو حصيلة مسار متراتب من العوامل، تفكك مؤسسي بعد عقود من الانقلابات، هشاشة اقتصاد أثقلته العقوبات والحروب الأهلية، توسع مراكز قوى موازية داخل المنظومة الأمنية، وانفجار الصراع بين الجيش والدعم السريع في أبريل 2023 على المدن والقرى وممرات الإغاثة.

في مواجهة هذا الانهيار تحركت اللجنة الرباعية المعنية بالسودان، دولة الإمارات والسعودية ومصر والولايات المتحدة، باحثة عن نافذة تنقذ ما يمكن إنقاذه، وقد تحول هذا الإطار من مجرد مساحة تنسيق سياسي إلى خريطة طريق محددة المراحل، تتضمن هدنة إنسانية لثلاثة أشهر، يعقبها وقف دائم لإطلاق النار، ثم مسار انتقالي بتوقيتات واضحة يقود إلى سلطة مدنية.

زاوية النظر القومية، التي تنطلق منها الإمارات لا تنفصل عن أولويتها الثابتة، والتي على رأسها حماية الإنسان وصون وحدة الدول العربية، لهذا جاءت تصريحات المسؤولين الإماراتيين واضحة في دعم مسار الرباعية، فقد أكدت وزارة الخارجية أن بيان الرباعية «يمثل خطوة تاريخية لإنهاء الأزمة، ويضع تقييماً دقيقاً لطبيعتها وخريطة واضحة لمعالجتها، تبدأ بهدنة إنسانية، تعقبها عملية انتقال مدني»، مع تجديد الدعوة إلى وقف شامل لإطلاق النار وحوار سياسي، كما شددت دولة الإمارات في مجلس الأمن (30 أكتوبر 2025) على ضرورة عدم السماح بتفاقم الكارثة الإنسانية، والمحاسبة على الانتهاكات، وجددت دعوة الرباعية إلى هدنة إنسانية تقود فوراً إلى وقف دائم لإطلاق النار.

ومع كل جولة تصعيد، ظلت الإمارات تكرر أن الحرب لا تحسم بالسلاح، وتؤكد أنه لا حل عسكرياً للنزاع، وتدعو إلى حوار سياسي جامع يحفظ وحدة السودان، وهي مواقف أعادت الإمارات تأكيدها بالتناغم مع مسار الرباعية، لكن الدبلوماسية بلا إغاثة تفقد معناها أمام مجاعة تطرق الأبواب، لذلك مولت الإمارات عمليات إنسانية واسعة، فتعهدت بمئة مليون دولار في مؤتمر باريس (أبريل 2024) جرى تخصيص 70 % منها لوكالات الأمم المتحدة خلال شهر يونيو 2024، ثم اتفاق مع برنامج الأغذية العالمي في 2024 لتوفير المساعدات العاجلة للاجئين والنازحين داخل السودان وجنوب السودان بقيمة 25 مليون دولار، إلى جانب حزم إضافية أعلنتها خلال عام 2025 لتعزيز الاستجابة.

وعلى الأرض تترجم الإمارات هذا التوجه عبر دفع الرباعية إلى خطوات عملية؛ تثبيت الهدنة، فتح الممرات، توحيد المسارات متعددة الوسطاء تحت سقف واحد، ومن ثم الانتقال إلى مفاوضات مضبوطة الجداول، تنتج ترتيبات أمنية تنهي تعدد الجيوش وتعيد بناء المؤسسة الوطنية على أسس مهنية.

لقد بلغ السودان ما بلغ بسبب تراكم أزمات الحكم والسلاح والاقتصاد، غير أن نافذة الإنقاذ لم تغلق بعد، فالرباعية، وفي قلبها دولة الإمارات، تطرح اليوم مساراً واقعياً، يبدأ بهدنة إنسانية وينتهي بسلطة مدنية، فيما تتكفل الإغاثة العاجلة بتثبيت شروط الحياة إلى أن يتبلور الحل السياسي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد