تشهد المملكة مرحلة جديدة من الوعي البيئي والاقتصادي، عنوانها التوازن بين التنمية والطبيعة، وبين النمو والمسؤولية. فحين تدرك المدن أن ازدهارها لا يتحقق إلا بحماية الأرض التي تحتضنها، تبدأ النهضة الحقيقية التي لا تبنى بالحجر فقط، بل بما يغرس في الإنسان من وعي وارتباطه بالبيئة. ومن هنا تنطلق الرياض، وهي تخطو بثبات نحو مستقبل أخضر يعبّر عن روح وطن اختار أن يجعل من الاستدامة نهجاً لا شعاراً.
وفي هذا الاتجاه، دشن صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن بندر بن عبدالعزيز مساء الأمس 181 مشروعاً بيئياً وزراعياً ومائياً في منطقة الرياض، بتكلفة تتجاوز 38.1 مليار ريال، لتشكل واحدة من أضخم الخطوات التنموية في تاريخ العاصمة، تتوزع هذه المشروعات بين 82 مشروعاً في قطاعات البيئة والمياه والزراعة بتكلفة تبلغ 9.8 مليارات ريال، و99 مشروعاً جديداً في مجالات التنمية المختلفة بتكلفة تقارب 28.3 مليار ريال، في مشهد يعكس حجم الطموح السعودي في جعل التنمية المستدامة واقعاً ملموساً في كل مدينة ومحافظة.
الرياض اليوم لا تبنى فقط، بل تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان ومحيطه، لتصبح التنمية أكثر انسجاماً مع الطبيعة وأقرب إلى روح المكان، فكل مشروع من هذه المشروعات المئة والواحد والثمانين يضيف لبنة في بناء مدينة واعية بمسؤوليتها تجاه المستقبل، مدينة تعرف أن الماء والهواء والشجر ليست عناصر فرعية في المعادلة، بل أساس للحياة والاستمرار.
وتتسق هذه الجهود مع المبادرات الكبرى التي أطلقها سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مثل: «السعودية الخضراء» و»الشرق الأوسط الأخضر»، واللتين جعلتا من المملكة محوراً عالمياً في قضايا البيئة والمناخ، فالمملكة لا تنتظر أن تتغير الظروف، بل تصنع التغيير بقرارات جريئة تعكس ثقتها بدورها وقدرتها على القيادة.
وتأتي هذه المشروعات في مرحلة دولية حساسة يتراجع فيها الالتزام البيئي لدى بعض الدول، بينما تمضي المملكة بثبات نحو بناء منظومة استدامة متكاملة تجمع بين التقنية والزراعة والطاقة النظيفة، إنها تؤكد أن الحفاظ على البيئة ليس عبئاً على التنمية، بل هو الطريق الأمثل إليها.
هكذا تواصل الرياض مسيرتها نحو نهضة خضراء تجعل من كل شجرة رمزاً للحياة، ومن كل مشروع وعداً بمستقبل أكثر صفاء، فحين تزدهر الطبيعة يزدهر الإنسان، وحين تنبض الأرض بالعطاء، تتجدد المملكة في كل موسم وتكتب فصولها الخضراء بثقة وأمل لا ينتهيان.

