خالد بن حمد المالك
أسأل نفسي أحياناً، لماذا تنكفئ الصين على نفسها، ولا تُمارس أي دور كما تفعل أمريكا، في التدخل من جانبها لحل النزاعات، أو إظهار القوة ضد من يخالف سياساتها، وهي الدولة القوية بعد أمريكا، ومؤهلة في المستقبل لأن تكون الأولى من حيث القوة على مستوى العالم.
* *
هناك قضايا ساخنة، في كل قارات العالم ودولها، لا تظهر الصين بدور يؤكد على انخراطها في معالجة الأزمات، أسوة بما تفعله الولايات المتحدة الأمريكية، في دول تصنف على أنها من العالم الثالث، وكأنها بدون تحالفات، وليس لها مصالح.
* *
يقيني أن غياب الدور الصيني لا يخدمها، ولا يجعلها مؤثرة في التطورات والمستجدات في العالم، بل إنه يكرّس علاقات الدول حصراً بالولايات المتحدة الأمريكية، ويبعدها عن التعاون مع الصين، فيما أن الصين تحتاج إلى علاقات متوازنة معها، أسوة بأمريكا، بدلاً من حصر هذه العلاقات بواشنطن، وابتعاد الصين عنها.
* *
الصين تتطور بسرعة، وتسجل نجاحات اقتصادية وعسكرية ما يجعلها في موقف يُهدد مكانة أمريكا كقوة أولى، ويهز مكانتها، في المستقبل، غير أن هذا التفوق المتنامي لا يظهر أمام حلفائها في ترجمته بعلاقات قوية مع دول العالم.
* *
في منطقتنا -على أهميتها-، فإن مصلحة الصين فيها تقتضي أن يكون لها تواجد فيها، لكن تبدو بكين وكأن لا مصلحة لها فيها، فالصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومعالجته أو تأجيجه يعتمد على الدور الأمريكي، بحسب ما تقتضي به المصلحة الأمريكية، وهكذا بالنسبة لما يجري في سوريا والعراق ولبنان واليمن، فيما أن دور الصين يبدو خجولاً ومتواضعاً وربما غير موجود، وليس له من أهمية أو اهتمام.
* *
وإلى جانب ذلك، فإن احتكار أمريكا لهذا الدور في المنطقة، يضعف علاقة دول المنطقة بالصين، ويجعل انصراف هذه الدول، وعدم توسيع علاقاتها بالصين أمراً تمليه مواقف وتعامل وتفاعل بكين مع المستجدات في منطقتنا، على ما فيه من خسارة للجانبين الصيني والعربي.
* *
صحيح أن العلاقات الصينية العربية شهدت في العقود الأخيرة انسجاماً أفضل، ومزاجاً مريحاً، واتفاقيات تلامس اهتمام الصين بهذه الدول، فتطور اقتصادها، ونما التعامل معها، ولكن بكين تظل بسياساتها بعيدة عن الانغماس في أصل وعمق المشاكل التي تعاني المنطقة منها، مفضلة عدم الانسياق أو الانخراط نحو الخلافات، أو جرها نحو ما يجعلها جزءا من هذه الحروب.
* *
نريد أن نرى الصين منجذبة نحو ما يكرّس علاقاتها بدولنا العربية بالمنطقة، ومتفهمة لمطالبها، ومشاركة في أدوار تلبي مصالحنا، وعدم ترك الساحة بانفراد لأمريكا فقط، تاركة لها الجمل وما حمل، بينما يمكنها أن تكون منافسة لواشنطن في المنطقة، أو شريكة في معالجة التطورات والمستجدات بعدل وإنصاف.
* *
فالصين لا غنى لدول المنطقة عنها، كما هي أمريكا، وكما هي دول أوروبا وروسيا، ودول أخرى في آسيا وأفريقيا، ولابد من تطوير علاقات دولنا بها، ضمن التوازنات في العلاقات الدولية بين دولنا وبقية الدول الأخرى.

