: آخر تحديث

وضع لبنان أمام مسؤولياته... في مواجهة إسرائيل

2
2
2

خيرالله خيرالله

لا معني للقرار الذي اتخذه مجلس الأمن بالتمديد للقوة الدوليّة في جنوب لبنان مرّة أخيرة، سوى وضع لبنان في مواجهة مباشرة مع إسرائيل. سيكون سؤال المرحلة المقبلة، مرحلة الإعداد لإنسحاب القوة الدولية من جنوب لبنان، ما طبيعة العلاقة التي ستربط لبنان بإسرائيل في غياب القوة الدولية التي كانت بمثابة وسيط بين البلدين وذريعة لتفادي المفاوضات المباشرة؟

هرب لبنان طويلاً من هذا الاستحقاق، استحقاق التعاطي بطريقة أو بأخرى مع إسرائيل. سيتوجب عليه التعاطي مع هذا الاستحقاق القديم - الجديد عاجلاً أم آجلاً في حال كانت لديه رغبة في استعادة قراره السياسي المستقلّ. هذا القرار الذي فقده تدريجاً، انطلاقا من الجنوب، عندما أُجبر البلد على توقيع اتفاق القاهرة المشؤوم في نوفمبر من العام 1969. وقتذاك، تخلّى لبنان، بموجب الاتفاق، عن سيادته على جزء من أرضه من أجل تمكين «الفدائيين» الفلسطينيين من شنّ هجمات على إسرائيل.

لم تستطع القوة الدوليّة (اليونيفيل) تجاوز دور الوسيط بعدما عمل المسلحون الفلسطينيون حتّى العام 1982 كلّ ما في قدرتهم عمله من أجل منعها من تأدية المهمة التي جاءت من أجلها.

في مرحلة لاحقة، جاء دور «حزب الله» الذي قيّد تحركات الجنود الدوليين. لايزال الحزب، إلى يومنا هذا، يفعل ذلك عن طريق «الأهالي» بغية تأكيد أن جنوب لبنان، بل لبنان كلّه لايزال ورقة إيرانيّة لا أكثر.

لم تؤد هذه القوّة المهمة التي وجدت من أجلها، لا في المرحلة التي انتشرت فيها في جنوب لبنان في العام 1978 ولا في مرحلة ما بعد تعزيزها في ضوء صدور القرار الرقم 1701 إثر حرب صيف 2006.

كلّ ما في الأمر أنّه بات على لبنان تحمّل مسؤولياته بدل الهرب منها وبدل أن يكون الجنوب صندوق بريد بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل ثمّ بين سوريا وإسرائيل... ثمّ بين إيران وإسرائيل كما كانت عليه الحال قبل شنّ «حزب الله»، «حرب إسناد غزّة» في الثامن من أكتوبر 2023.

وضعت إدارة دونالد ترامب -التي أصرّت على إنهاء مهمة القوّة الدوليّة ابتداء من نهاية 2026- لبنان أمام مسؤولياته. لم يعد يستطيع الهرب من هذه المسؤوليات طويلاً، خصوصاً أن الأحداث كشفت أنه لا فائدة تذكر من استمرار وجود القوة الدوليّة معزّزة أو غير معزّزة، ما دامت هناك قوى أمر واقع على أرض الجنوب.

كانت المفاوضات المباشرة مع إسرائيل، في العام 1983، المحاولة الوحيدة التي بذلها لبنان من أجل استعادة المبادرة في الجنوب من جهة وعلى الصعيد الوطني من جهة أخرى.

توجت هذه المحاولة بالتوصل إلى اتفاق 17 مايو في عهد الرئيس أمين الجميّل. سقط الاتفاق، الذي سيندم اللبنانيون عليه طويلاً، تحت ضغط الشارع والسلاح على الرغم من موافقة مجلس النواب عليه.

لن يتمكّن لبنان يوماً من الحصول على أفضل من اتفاق 17 مايو. في الواقع، كانت هناك حرب سوريّة على الاتفاق بدعم من الاتحاد السوفياتي وكانت هناك لامبالاة إسرائيلية ببقاء الاتفاق أو سقوطه.

يؤكد ذلك ربط الدولة العبريّة الانسحاب من جنوب لبنان عسكرياً بالانسحاب السوري من الأراضي اللبنانيّة. عملياً، كان هناك تفاهم في العمق بين إسرائيل وحافظ الأسد في ما يخصّ أي اتفاق يخص لبنان وجنوبه.

الأهمّ من ذلك كلّه، كانت هناك سياسة أميركيّة متذبذبة لم تأخذ في الاعتبار غير ما تريده إسرائيل التي تخلت عن أهدافها في لبنان في ضوء اغتيال رئيس الجمهورية بشير الجميّل في 14 سبتمبر 1982.

ركّزت إدارة دونالد ريغان عام 1982 على إعادة الحياة إلى لبنان. ما لبثت أن انسحبت منه ولم تعد لديها سياسة لبنانيّة، خصوصاً مع نسف سفارتها في بيروت في أبريل 1983 ثم تفجير مقر المارينز حيث قتل 245 عسكرياً أميركيّاً قرب مطار بيروت في 23 أكتوبر من تلك السنة.

واهِمٌ من يعتقد في النصف الثاني من 2025 أن في استطاعة الإدارة الأميركيّة الضغط على إسرائيل. إذا أكّدت حرب غزّة شيئاً، فهي أكّدت أن مثل هذا الضغط غير وارد.

كان المبعوث الأميركي توم برّاك صادقاً في كلّ كلمة قالها عندما كشف أنه لا انسحاب إسرائيلياً من جنوب لبنان، ولا شيء آخر، قبل الانتهاء من نزع سلاح «حزب الله».

هذا ما أكده أيضاً السيناتور النافذ ليندسي غراهام الذي كان في بيروت مع الوفد الأميركي الذي زار لبنان أخيراً.

لم يكذب برّاك على اللبنانيين الذين كانوا يتوهمون أنه لا ثمن يجب دفعه في ضوء هزيمة «حزب الله» أمام إسرائيل والتغيير الذي شهدته سوريا.

على العكس من ذلك، حاول برّاك مع السيناتور ليندسي ومورغان أورتاغوس إفهام اللبنانيين من كبيرهم إلى صغيرهم، أن مرحلة التذاكي انتهت إلى غير رجعة مثل مرحلة سيطرة النظام السابق على سوريا...

ليس قرار سحب القوة الدولية من جنوب لبنان سوى عنوان لمرحلة جديدة على الصعيدين اللبناني والإقليمي. تحتاج هذه المرحلة إلى التخلي عن سياسة التذاكي من جهة وفهم حقيقة الموقف الأميركي من جهة أخرى.

أقصى ما تستطيع أميركا عمله هو مساعدة اللبنانيين في حال قرر هؤلاء مساعدة نفسهم أوّلاً. ويبدأ ذلك بالاعتراف بأن 17 مايو يمثل الاتفاق الذي يفترض أن يحلم به البلد مجدداً في حال كان يريد انسحاباً إسرائيلياً مشروطاً... في طبيعة الحال!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد