صيغة الشمري
في ظل التحولات الكبرى التي يشهدها سوق العقار السعودي، يبرز قرار وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان بإصدار خرائط النطاقات الجغرافية لرسوم الأراضي البيضاء في الرياض كخطوة محورية تعكس التوجهات الاستراتيجية التي يقودها صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء -حفظه الله- لتحقيق التوازن في السوق العقاري، فالقرار استند إلى رؤية واضحة تهدف إلى إعادة التوازن للسوق، وتحويل الأراضي المحتجزة من مجرد أدوات للمضاربة إلى أوعية استثمارية تسهم في تلبية احتياجات الإسكان.
والمتابع للمشهد في الأسواق العقارية، يدرك جيداً أن جوهر هذه السياسة يكمن في «العدالة»، إذ لم يعد بالإمكان إبقاء مساحات شاسعة داخل النطاق العمراني مجمدة دون تطوير، بينما تتزايد الحاجة إلى الوحدات السكنية والتجارية. ومن هنا جاءت الرسوم وفق أولويات النطاقات العمرانية - لتضع المالك أمام خيارين لا ثالث لهما: إما المبادرة بالتطوير والبناء أو تحمل تكلفة مالية متزايدة تفقد الأرض جدواها في الربح أو حفظ القيمة، مما يعني أنها أداة تنظيمية تدفع السوق نحو الإنتاجية.
وأعتقد أن الأثر المباشر لهذا القرار بدأ يظهر فعلياً من خلال ارتفاع وتيرة العروض العقارية في الرياض وتراجع فكرة الاحتكار لدى الأغلبية، فمن كان يحتفظ بأرضه في انتظار ارتفاع الأسعار أصبح أمام ضغط اقتصادي يجبره على إعادة التفكير ألف مرة قبل اتخاذ خطوة قد تفقده الكثير، وهو ما يفتح المجال أمام دخول مطورين جدد يسهمون في تحريك عجلة البناء بوتيرة أسرع. وأتوقع أن ينعكس هذا التوجه على الاستقرار النسبي للأسعار، ليس عبر هبوطها المفاجئ وإنما عبر زيادة المعروض وتوفر الخيارات أمام المستهلك.
ومن وحي القرار يظهر جلياً أن الهدف منه ليس مالياً بحد ذاته، إنما المقصد هو التنظيم، بدليل أن الرسوم المفروضة على الأراضي البيضاء تخصص لدعم مشروعات الإسكان، بما يعني أن المردود يعود في نهاية المطاف إلى المواطن، سواء في صورة وحدات جديدة أو في تخفيف الأعباء المرتبطة بالتملك، مما يعزز الثقة في السياسات الحكومية ويجعل من العقار قطاعاً أكثر شفافية وتنافسية.
ومن زاوية مستقبلية يبرز البعد الأعمق للقرار، يتمثل في أن الرياض كعاصمة تحتضن مشاريع كبرى ضمن رؤية 2030 تحتاج إلى سوق عقاري يواكب نموها ، ومع فرض الرسوم وتفعيل الرقابة على تطبيقها، سيجد الملاك أنفسهم أمام خيار المشاركة في التنمية الحضرية بدلا من الوقوف على الهامش، الأمر الذي ينعكس على جودة الحياة ويجعل عاصمتنا الحبيبة بيئة أكثر جاذبية للسكان والمستثمرين.