: آخر تحديث

هل تصمد الدبلوماسية ؟

4
4
3

عبدالرحمن الطريري

تجتمع إيران ودول الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) على دفن آخر ما تبقى من إرث أوباما وهو الاتفاق النووي أو مجموعة العمل الشاملة (JCPOA)، وذلك عبر تفعيل آلية السناب باك مما يعني إعادة فرض العقوبات الأممية على إيران، بحسب قرار مجلس الأمن 2231 للعام 2015.

ومن جانبها وبحسب تصريحات برلمانية إيرانية، تدرس طهران الانسحاب الكلي من الاتفاقية النووية، مما يعني تحرير برنامجها النووي من أي قيود على مستوى نسبة تخصيب اليورانيوم، كمية اليورانيوم أو حتى عدد أجهزة الطرد المركزي.

البرنامج النووي الإيراني والذي انطلق في عهد الشاه محمد رضا بهلوي في العام 1957، عبر توقيع اتفاقية «الذرة من أجل السلام» في عهد الرئيس إيزنهاور، مر بعدة مراحل في العلاقة بالأوروبيين تحديداً، وذلك بدءاً من العام 1974 حين وقّعت إيران عقوداً مع فرنسا وألمانيا الغربية لبناء عشرين مفاعلاً للطاقة النووية.

المرحلة الأولى للأوروبيين كوسيط ومفاوض وجسر بين الإيرانيين والأمريكان، بدأت مع كشف المعارضة الإيرانية معلومات عن منشأة نطنز للتخصيب ومنشأة آراك للماء الثقيل، مما يعني أن إيران لم تتوقف عند منشأة بوشهر لإنتاج الطاقة الكهربائية، حينها أثار ما نشرته المعارضة قلقاً أوروبياً خاصة في عواصم الترويكا.

هذا القلق لم يكن محصوراً بالخشية من تطوير إيران لسلاح نووي فقط، بل كان الخشية وربما بشكل أكبر من ردة فعل الرئيس بوش الابن والذي كان يعبّر عن مصطلح محور الشر، وكان الحديث آنذاك في 2002 حثيثاً حول غزو العراق، لذا قرر الأوروبيون السير بمسار للمفاوضات يجنّب إيران مصير العراق.

توّجت هذه الجهود في أكتوبر 2003 حين سافر وزراء خارجية الدول الأوروبية الثلاث، دوفيلبان (فرنسا)، فيتشر (ألمانيا)، وسترو (بريطانيا) إلى إيران وأقنعوا المسؤولين بتوقيع (إعلان طهران)، والذي شمل تعليقاً مؤقتاً لتخصيب اليورانيوم، ومنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية مزيداً من صلاحيات التفتيش.

ظلت الأمور متأرجحة بين التزام كبير من طهران حتى 2004، ثم تصعيد بعد وصول أحمدي نجاد للسلطة في 2005، وصولاً إلى اتفاق 2015 حين عملوا كجسر رئيسي للاتفاق الذي وقع في فيينا، بل إنهم ذهبوا أبعد من ذلك بعد انسحاب الرئيس ترمب في فترته الأولى من الاتفاق في العام 2018، حيث حاول الأوروبيون تقديم آلية مالية بديلة عرفت بـ INSTEX لكنها فشلت على كل حال.

اليوم يأتي التصعيد من أوروبا عوضاً عن دورها المعتاد كمقرّب لوجهات النظر، وهو ما يراه عراقجي حسب تغريدة بأن الأوروبيين قاموا بإعادة تفعيل «آلية الزناد» عوضاً عن إسرائيل وأمريكا.

من جانبهم يعتبر الأوروبيون أن الإيرانيين ماضون في مشروعهم النووي، بغض النظر عن كون ذلك طموحاً نووياً أو تعزيزاً لأوراق تفاوض لطهران، وهم أيضاً يرون بأنهم منحوا طهران فرصة إلى نهاية أغسطس وأن الوقت يمضي سريعاً قبل فقدانهم القدرة على تفعيل العقوبات الأممية قبل 18 أكتوبر.

وأضاف الأوروبيون في تصريحاتهم أن قرارهم لا يجب أن يمثّل انهيار الدبلوماسية، وهذا يأخذني إلى كتاب محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني الأسبق «صمود الدبلوماسية»، حيث يتناول السردية الأوروبية بشكل لافت، وكيف أن لديهم إنكاراً لتراجع دورهم، بالإضافة لمزايدتهم القيمية بشكل يتجاوز حتى واشنطن.

ومن المقاطع اللافتة قوله: «حتى انسحاب ترمب من الاتفاق النووي كان الأوروبيون متوهمين حول حدود تفاعلهم المستقل في التجارة والحوالات المالية والنقدية». ويضيف: «صحيح أن المحادثات المفتوحة المبنية على الأنانية الأوروبية يلقون فيها اللوم على واشنطن وطهران، لكنهم في المحادثات الخاصة يقرون بأن واشنطن تسيطر على الشركات الأوروبية أكثر من بروكسل».

وهنا يجب النظر للموقف الأوروبي بشكل أشمل، فالأوروبيون الذين شعروا بالقلق من قمة ألاسكا بين بوتين وترمب، خشية أن ينتج اتفاقاً في أوكرانيا بمعزل عنهم، وما سبق ذلك من إدراك أوروبي في 2022 بأنهم لا يستطيعون التصدي لروسيا دون أمريكا، وصولاً إلى الاتفاق التجاري الأوروبي مع أمريكا والذي وصفه رئيس وزراء فرنسا بأنه يمثّل «يوماً كئيباً».

قد يعني التصعيد وتفعيل آلية السناب باك في أحد جوانبه تموضعاً أوروبياً جديداً، في علاقتها مع واشنطن قبل علاقتها مع طهران.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد