: آخر تحديث
هاشتاك الناس

يوم التصويت… وساعة الندم!

3
4
5

في كل أربع سنوات، يُطل علينا ذلك اليوم العظيم… "يوم التصويت الوطني!".

اليوم الذي يُفترض أن تختار فيه مصير بلدك، مستقبلك، وأحلامك التي هجرتك منذ الطفولة، أو هجرتها أنت هربًا من خيبات لا تُحصى.

لكن في العراق، يوم التصويت لا يشبه العرس الديمقراطي الذي يتغنّى به الخطاب الرسمي، بل هو أقرب إلى حفلة تنكرية جماعية… الكل يرتدي أقنعة الوطنية، يبتسم أمام الكاميرات، ويصرخ بـ “نعم للتغيير!"، بينما يعرف الجميع — أو يتظاهر بعدم المعرفة — أن النتائج محفوظة في درج مغلق منذ الأيام الأولى للحملة.

في هذا اليوم، يستيقظ الشعب مبكرًا، يغسل وجهه بالأمل، يلبس "أطيب ثيابه"، ويذهب إلى مركز الاقتراع وكأنه ذاهب ليشتري الوطن بالتقسيط المريح. لكنه لا يشتري سوى خيبة مؤجلة، ويضع "حبرًا بنفسجيًا" على إصبعه… ثم ينتظر أربع سنوات ليكتشف أن الإصبع الوحيد الذي خُدع هو إصبعه هو، لا غيره!

في الديمقراطيات الحقيقية، صندوق الاقتراع هو سلاح بيد الشعب، يُقلب به الطغيان إلى محاسبة، والفشل إلى تغيير، والفساد إلى محاكمات. أما عندنا، فالصندوق هو ركن الزاوية في مسرحية الشفافية المتخيّلة، حيث تُلقى فيه الأصوات، ثم تُسحب كما تسحب ورقة يانصيب يعرف الفائز بها مسبقًا.

أحيانًا، لا تحتاج أن تصوّت أصلًا؛ هناك من يتبرع عنك بالمهمة: يصوّت لك، ولزوجتك، ولجدّك، ولجارك المسافر، وإن كنت ميتًا، لا تقلق… صوتك ما زال حيًا في قوائمهم، ويعمل بكفاءة عالية!

تُعلن النتائج كأنها خبر عابر: "فاز مرشح الشعب بنسبة 98 بالمئة"، بينما "الشعب" كان في تلك اللحظة منهمكًا بتصليح مولّد الكهرباء، أو يقف في طابور البنزين، أو يركض خلف راتب لا يصل.

تمرّ الأيام، وتبدأ أعراض "متلازمة الندم الجماعي" بالظهور: ترتفع أسعار الوقود، تنقطع الكهرباء أكثر من ذي قبل، يظهر وزير جديد لا يشبهنا في اللهجة ولا في الهمّ، وتبدأ صفحة النائب الجديد في نشر صور زيارات ميدانية: سيارة مظللة، حذاء لامع، ابتسامة بلا روح، ووعد بتحسين الخدمات… لاحقًا.

ثم تعود الحياة إلى دورتها البائسة: المواطن يشتكي، الحكومة تُصرّح، الشارع يصرخ، والنائب يردّ بكلمة واحدة: "قيد الدراسة."

يبقى الحبر البنفسجي على إصبعك يومًا أو يومين، لكن أثره في ذاكرتك يبقى أربع سنوات كاملة… كوشم لا يُمحى، أو كلعنة تتكرر. وفي كل مرة تشعل شمعة في ظلام الكهرباء، أو تدفع دينًا بسبب أسعار الوقود، أو تنفجر غضبًا من تصريح فارغ… تتذكر تلك اللحظة التي وضعت فيها صوتك في الصندوق، وتمنيت، للحظة صادقة، أن يكون الصندوق فارغًا… كما كانت وعودهم.

نعم، صوتك ليس بلا قيمة… بل جُعل كذلك عمدًا. تمّت إهانته، تهميشه، شراؤه، تزويره، واستثماره لمصالح لا تعرف عنها شيئًا. لكن لا تسمح لهم بأن يجعلوك تؤمن بذلك إلى الأبد.

في الانتخابات القادمة، لا تكتفِ بأن تصوّت. فكّر، راقب، اسأل، وواجه. اجعل لحبرك البنفسجي معنى، لا مجرد وصمة تُغسل بالماء والصابون.

لعلنا نصل يومًا إلى لحظة لا تُشبه ساعة ندم…بل تُشبه ساعة خلاص حقيقية من وجوه سئمناها، ومن مسرحية يُعاد عرضها كل أربعة أعوام… بنفس الكواليس، ونفس الممثلين، والجمهور ذاته، لكنه أكثر يأسًا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.