: آخر تحديث

هل يتشكل جيش أوروبي موحَّد وينافس القوى عالمياً؟

3
3
3

عبدالرحمن الحبيب

«فجأة، تذكرت أوروبا سبب وجود الجيوش!» حسب تعبير ساخر لصحيفة الغاردين؛ حيث يقول رئيس الأركان الفرنسي الجنرال تييري بوركارد إن روسيا قد تشن هجومًا خلال خمس سنوات، وإن على أوروبا الاستعداد لحرب شديدة، محذراً من أن خبرة روسيا القتالية، وضخامة جيشها، وقدرتها على التحمل تجعلها خطرة: ففي أي صراع، سيصمد الشعب الروسي «خمس دقائق أطول منا».

لقد جعلت الحرب الروسية - الأوكرانية مسألة الدفاع الأوروبي المشترك مصدر قلق مُلِحّ وزادت الدعوات لإنشاء جيش أوروبي موحد، فهل سيشكل هذا الجيش قوة عظمى جديدة تنافس الموجود وتُغير موازين القوى عالمياً، أم أن العقبات لا تزال تحول دون ذلك الجيش؟

الاتحاد الأوروبي هو ثاني أكبر اقتصاد بالعالم من حيث القيمة الاسمية، بعد الولايات المتحدة، وثالث أكبر اقتصاد من حيث تعادل القوة الشرائية (PPP) بعد الصين والولايات المتحدة؛ كما يتميز بتكنولوجيا متقدمة وتصنيع متطور، ويبلغ عدد سكانه نحو 450 مليون نسمة، أي الثالث بعد الهند والصين؛ بمعنى أنه ند للولايات المتحدة والصين إذا تمكن من إنشاء جيش موحّد.

حتى قبل الحرب الروسية - الأكرانية كان التوجه الشعبي يميل لتشكيل جيش أوروبي موحد، ففي استطلاع يوجوف لعام 2022 في ست عشرة دولة عضوًا في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، سأل فيه عن دعم إنشاء جيش أوروبي متكامل، كانت نسبة المؤيدين أعلى من الرافضين باستثناء بريطانيا، بينما كانت أعلى نسبة للمؤيدين في إسبانيا وليتوانيا وهولندا وألمانيا (64-58 %).

كما أن فكرة إنشاء جيش أوروبي ليست جديدة فقد نوقشت لأول مرة عام 1950، بما تم اقتراحه من قبل فرنسا وكان سيتألف من ست دول (بلجيكا وفرنسا وإيطاليا ولوكسمبورغ وهولندا وألمانيا الغربية)، بهدف تعزيز الدفاع ضد التهديد السوفيتي، ثم في عام 1952 تم التوقيع على المعاهدة المؤسسة لمجموعة الدفاع الأوروبية ولكن لم يتم التصديق عليها من قبل الموقعين.

منذ ذلك الحين جرت العديد من الدعوات لإنشاء جيش أوروبي مشترك، وعلى رأسهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل، لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، انتقد تأييد ماكرون ووصفه بأنه «إهانة»، فوفقاً لمسؤولي حلف شمال الأطلسي، فقد عمل الحلف على تثبيط القدرات الدفاعية الأوروبية المستقلة، كمحاولة لتجنب الازدواجية وكتأثير أخلاقي من الإعانات الدفاعية الأمريكية مما أدى إلى تقليل الإنفاق العسكري من قبل الدول الأوروبية.

كما أعرب سفير الولايات المتحدة لدى الناتو عن معارضته لأي نزعة حمائية أوروبية في تطوير صناعة الدفاع الخاصة بها؛ وكذلك صرح الأمين العام السابق لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، بأن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع الدفاع عن نفسه بدون الناتو، وأنه لا ينبغي له محاولة تشكيل جيش أوروبي.

وإذا كان الناتو «أكبر عقبة» أمام جيش أوروبي، فإن ثمة عقبات أخرى كما تطرحها افتتاحية الغاردين التي ترى أنه رغم تزايد الدعوات لتشكيل قوة قتالية أوروبية موحدة وآخرها دعوة رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز مشيرًا إلى أن القارة قد تُولي المسألة هذه المرة اهتمامًا بالغًا، فإن الانقسامات التي استمرت لعقود، والتردد السياسي، والاعتماد على الولايات المتحدة لا تزال قائمة، ومن ثم فالقيادة والوحدة لجيش أوروبي لا تزالان بعيدتي المنال.

المشكلة ليست في القدرات، ولا في الرغبة، إنما كما هي الحال دائمًا، تكمن في السياسة، أو بتعبير أدق: من يقود؟ حسب الغاردين التي توضح أن ألمانيا، التي تدّعي أنها بلغت نقطة تحول، وتطلب من الاتحاد الأوروبي إعفاء الاستثمار العسكري من قواعد الميزانية، قد تكون المرشح الأوفر حظًا للقيادة.

لكن هناك مرشحون منافسون، بولندا تنفق على الدفاع أكثر من أي دولة أخرى كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، والفرنسيون يرون أنفسهم في مقدمة أي طابور، في حين أن إيطاليا لديها خبرة صناعية لكنها تفتقر إلى الثقل الاقتصادي، أما بريطانيا بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، فتبني جسورًا مع القوى العسكرية للاتحاد الأوروبي، لكنها لا تزال تعتبر نفسها حجر الزاوية في حلف الناتو.

حتى تعريف جيش أوروبي أمر صعب، وفقاً للغاردين التي تتساءل: هل سيكون قوة واحدة تحت راية الاتحاد الأوروبي، تجمع القوات المسلحة الوطنية السبع والعشرين لأعضاء الاتحاد في قوة مشتركة واحدة، أم شيئًا أكثر مرونة، للحفاظ على الحياد الإيرلندي والنمساوي؟ هل يمكن أن تكون قوة تدخل أوروبية أصغر، أم جهدًا مشتركًا للتجمعات الإقليمية في شكل جديد؟ الإجابة المختصرة هي أنه لا يمكن لأحد الاتفاق على أي شيء سوى الاختلاف، حسب الصحيفة.

تكمن المفارقة في أن الجيش الأوروبي يُنظر إليه على أنه رمز للاستقلال عن الولايات المتحدة، بينما يعتمد على الأقمار الصناعية الأمريكية وعلى هياكل القيادة والذخائر.. صحيح أن العديد من الدول الأوروبية زادت من إنفاقها الدفاعي، لكنها ليست مستعدة للقيام بذلك بمفردها، كما أن القوة المتكاملة تتطلب سيادة مشتركة وقيادة موحدة ومستوى من التوافق السياسي غير موجود حاليًا، وفقاً للصحيفة التي تختم أن ذلك قد يتغير، لكن في الوقت الحالي، لا تزال أوروبا تعتمد على قيادة واشنطن المتقلبة حتى وهي تحلم بـ «الاستقلال الاستراتيجي».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد