إيلاف من بيروت: يشهد لبنان اهتمامًا متزايدًا بإمكانيات الانفتاح الاقتصادي في أعقاب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب برفع العقوبات المفروضة على سوريا، في خطوة وُصفت بأنها قد تتيح فرصًا جديدة للبلاد في مجالات الطاقة والتجارة والنقل.
في 16 أيار (مايو) 2025، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية أنها بدأت بالتنسيق مع وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي تنفيذ توجيهات الرئيس ترامب، المتعلقة بإلغاء العقوبات التي فُرضت على سوريا منذ عام 1979 وتوسعت مع اندلاع النزاع المسلح عام 2011.
ووفق تصريحات رسمية، يُتوقع أن يُسهم هذا القرار في تفعيل مشاريع كانت متوقفة منذ سنوات، أبرزها مبادرات نقل الغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية إلى لبنان، بالإضافة إلى فتح خطوط النقل البري والتجارة نحو الأردن والعراق ودول الخليج.
خطوط الطاقة المتوقفة
في بداية عام 2022، وُقّعت اتفاقيتان بين لبنان وسوريا والأردن: الأولى لنقل الكهرباء الأردنية إلى لبنان، والثانية لعبور الطاقة عبر سوريا. إلا أن هذه المشاريع توقفت بسبب العقوبات الأميركية، رغم أن الشبكات التقنية بين الدول الثلاث لا تزال قائمة جزئيًا منذ مطلع الألفية.
المشروع كان يهدف إلى نقل نحو 300 ميغاوات من الكهرباء وتشغيل معمل "دير عمار" بطاقة 500 ميغاوات، ليرتفع إجمالي التغذية الكهربائية في لبنان إلى حوالي 800 ميغاوات. وقدرت التكلفة السنوية للمشروع بما بين 200 و300 مليون دولار، على أن يُموّل القسط الأول عبر قرض من البنك الدولي.
تصريحات رسمية
قال وزير الطاقة والمياه اللبناني جو الصدّي في تصريح نقلته وكالة "الأناضول"، إن قرار الرئيس الأميركي برفع العقوبات عن سوريا "سينعكس إيجابًا في لبنان على صعيد الطاقة والنفط"، مشيرًا إلى أن الخطوة "تُسهّل استجرار الكهرباء والغاز عبر سوريا".
وأشار الصدّي إلى أن لبنان يعتزم إنشاء معمل جديد لتوليد الكهرباء باستخدام الغاز الطبيعي بدلًا من الفيول الثقيل، كما كشف عن مناقشات جارية مع العراق لإعادة تشغيل خط أنابيب النفط من كركوك إلى مصفاة البداوي شمالي لبنان.
وفي زيارة أجراها وفد وزاري لبناني إلى دمشق مؤخرًا، تم بحث إمكان تفعيل خط أنابيب النفط الذي يمر عبر سوريا، ما يتيح للبنان استيراد النفط الخام وتكريره محليًا ثم تصديره، مما يُعزز مداخيل الدولة من المنتجات النفطية.
فرص تجارية إقليمية
إلى جانب قطاع الطاقة، رأى مصدر حكومي لبناني، تحدّث لـ"الأناضول" طالبًا عدم الكشف عن اسمه، أن رفع العقوبات عن سوريا "سيتيح تفعيل خطوط الترانزيت البرية وإعادة حركة التبادل التجاري مع دول الجوار والخليج"، ما يساهم في تعزيز الصادرات اللبنانية وتوسيع أسواقها.
وأشار المصدر إلى إمكان "تحوّل لبنان إلى منصة للمساهمة في مشاريع إعادة إعمار سوريا، وهو ما قد يُنعش الشركات اللبنانية العاملة في مجالات التوريد والبناء والخدمات".
تقييمات الخبراء
بحسب خبيرة النفط والغاز لوري هايتايان، فإن مشروع نقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية تعثّر بسبب العقوبات المفروضة سابقًا، ورفعها قد يُعيد النظر في تنفيذه. وأوضحت أن "سوريا ولبنان كلاهما بحاجة إلى الطاقة، والمشروع يهمّ المجتمع الدولي لأنه يعزز الربط الإقليمي".
وأضافت أن مصر قد لا تملك حاليًا كميات كبيرة من الغاز، لكنها قد تعتمد على استيراد الغاز من إسرائيل لدعم شبكة الإمداد الإقليمية، وهو ما يُعزّز الروابط التجارية والطاقة بين دول المنطقة، وفق ما نقل عنها.
وأشارت هايتايان أيضًا إلى إمكان استفادة سوريا من مشاريع نقل الطاقة النظيفة، مثل الهيدروجين، عبر أراضيها إلى أوروبا، ما يمنحها دورًا اقتصاديًا إضافيًا.
التمويل الدولي شرط أساسي
من جهتها، حذّرت المحللة الاقتصادية محاسن مرسل من الإفراط في التفاؤل، موضحة أن تنفيذ مشروع الطاقة الإقليمي "يتطلب إعادة تفعيل القرض المشروط من البنك الدولي، الذي ربط دعمه بإصلاحات في قطاع الكهرباء، مثل رفع التعرفة وتنظيم الجباية".
وأضافت أن المجتمع الدولي يشترط أيضًا "حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية" كأحد عوامل الثقة لتمويل المشروع، معتبرة أن "مجرد رفع العقوبات لا يعني تلقائيًا تنفيذ المشاريع، ما لم تتوافر شروط التمويل الدولي".