علي الخزيم
= تَعشق الأنفس السفر والترحال للمتعة والاستجمام؛ أو ما يُطلق عليه اصطلاح (السياحة)؛ وهي عند البعض القادرين على تكلفتها تَرقَى إلى مستوى الهواية والرغبة المستدامة؛ فَمَا إن يجد أحدهم فرصة ولو لأيام قليلة إلّا وقد شَدّ الرحال سائحًا مُستمتعًا بوقته مستفيدًا من مشاهداته واطلاعه على نمط معيشة مجتمعات متنوعة الأعراق والطباع والعادات والثقافات، فمن الخبرات بهذا الشأن فإن الإفادة من رحلة استجمامية استطلاعية قصيرة يفوق ما تجنيه من قراءة كتاب أو أكثر إذا ما التَفَت السائح لآثار وحضارات تِلكم البلاد، على أن التخطيط المُسبق لتنوّع وِجْهات الرَّحْلات والسياحة يكون أنجع وأغزر بالفوائد والذكريات.
= ومن الفوائد التي تُجْنى بالتخطيط للرحلة وبرمجتها وتحديد وجهتها الأخذ بالحسبان مسألة التوفير بالمصروفات؛ فالمتعة يمكن أن تحصل دون الاندفاع الشرائي أو المبالغة بالهدر تحت قناعة زائفة مفادها -عند البعض- أن المتعة السياحية لا تتحقق إلَّا بإطلاق العِنَان للمصروفات كما اتفق دون قيد وحدود، ويتعدى البعض هذا الأمر إلى أشد منه حين يلجأ للقروض المالية والاستدانة بما يُغطّي مصاريف الرحلة وما يتبعها من مشتريات قد لا تكون ضرورية، لا سيما إذا اصطحب أفراد الأسرة؛ وكأن المسألة واجب لا مَفَر منه للمباهاة بالاستعراض بها بعد العودة أمام الآخرين.
= وثَمَّة فَهْم خاطئ لمعنى السياحة كَمَن يَحصرها بالتنقل بين أشهر متاجر التسوق لمزيد من التَّبَضّع مع الحرص على التصوير داخل كل سوق وخارجه، ولو أعاد هذا السائح النظر بتصرفه لوجد أنه قد أتلف أموالًا لم يكن من الضروري صرفها؛ وأنه قد جَلَب مقتنيات ومشتريات لديه منها الكثير وهو بالواقع بِغنى عنها تمامًا، وسيكتشف أن لديه بخزاناته الكثير من الملابس والأحذية والعطور قد جلبها برحلات سابقة وما زالت بعلبها لم تستخدم؛ ما يبرهن على أن البعض قد فهموا معايير السياحة بشكل معكوس؛ وحرموا أنفسهم من مقومات سياحية غاية بالمتعة لو أداروا جولتهم وخططوا لها بفكر أعمق!
= أمَّا النابهون حين يتجهون للسياحة والترحال فإنهم يضعون بأذهانهم مدى الفائدة المرجوة من سفرهم وهي تمتد لتشمل المتاحف والمكتبات والفنون الجميلة والحدائق والواحات النادرة؛ وحدائق الحيوان بما تضمه من نوادر وعجائب خلق الله سبحانه، وكذلك ارتياد المسارح والشواطئ النظيفة بمقاهيها الراقية بعيدًا عن التجمعات الغوغائية أو السلوكيات المَمْجُوجَة، فيُستحسَن مِن السائح العربي حِين يغادر بلاده للاستجمام أن يضع بحسبانه سمعة وطنه ومجتمعه وأسرته فلا يتجاوز إلى ما يُشوّه هذه الصور النقية فهو مؤتمن -ضِمنيًا- عليها.
= ويُلام نَفَر مِن مواطني دول الخليج العربي (من الجنسين) حين ظهورهم بمراحل رحلاتهم السياحية بالأماكن العامة بالدول المقصودة سياحيًا بمظهر التأنُّق وارتداء الأزياء والمجوهرات والساعات اللافتة؛ وكأنهم بفعاليات استعراض للذات وللممتلكات؛ فتلكم الأمكِنة ليست لهذا الغرض؛ ولأنها تجمع أخلاطًا من الجنسيات والمستويات المعيشية المختلفة المتباينة؛ فمظاهر التَّنعّم والثراء -وإن كان مُصطنعًا- قد تجذب أنظار اللؤماء وتُعَرّض صاحبها لأذى السُّرّاق والنشالين أو -على أقل تقدير- للنظرات السلبية المُستَهجِنة لذاك الظهور السّطحي الساذج، فاكتمال متعة الرِّحْلات بالبساطة وارتياد ما يزيد المعرفة.