يمكن أن ننظر إلى إعصار ميليسا، الذي دمر قريباً أجزاءً واسعة من جامايكا وكوبا، باعتباره مقدمة غير مرغوب فيها لمؤتمر الأمم المتحدة المقبل حول التغييرات المناخية، المقرر انعقاده بين 10 و21 نوفمبر (تشرين الثاني).
وسيعقد الحدث، المعروف باسم «كوب 30»، في مدينة بيليم البرازيلية، بمشاركة أكثر من 190 دولة، وما يزيد على 300 منظمة غير حكومية، وعشرات الآلاف من «المحاربين من أجل البيئة» من مختلف أنحاء العالم. ويأمل المنظمون البرازيليون أن يُسهم هذا التجمع في تصحيح الأخطاء، التي سقطت فيها اتفاقية باريس الشهيرة والمؤتمرات اللاحقة، التي انعقد آخرها في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وجمهورية أذربيجان.
وقد يعكس اسم المدينة المستضيفة، بيليم، المزاج المتفائل السائد بالأجواء؛ إذ تحمل المدينة اسم نبي توراني أتى بأعمال عظيمة، منها الطيران، وإن كان على ارتفاع منخفض.
ومع ذلك، ومن دون أي قصد مني أن أكون مثبطاً للهمم، لا يمكن تجاهل الحقائق التي قد تُخرج هذا الكرنفال العالمي الجديد بشأن الاحتباس الحراري عن مساره.
أولى هذه الحقائق أن الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا يحاول استغلال المناسبة في جولة جديدة من التلويح بالمئزر الأحمر في وجه خصمه اللدود جايير بولسونارو، الذي يتهمه لولا دا سيلفا بأنه تسبب في تدمير أجزاء من غابات الأمازون، تحت ذريعة النمو الاقتصادي.
ورغم أن التعدي على الغابات الساحرة استمر بوتيرة أسرع حتى في عهد لولا دا سيلفا، فإن جمهور الفاعلين البيئيين القادمين إلى بيليم سيكونون سعداء؛ لأن ذلك يتماشى مع قناعتهم الراسخة بأن التعامل مع التغييرات المناخية لن يكون ممكناً من دون إيقاف وتيرة النمو الاقتصادي، أو حتى الدخول في ما يسمونه «النمو السلبي».
ويعني هذا التوجه قبول انخفاض واضح في مستويات المعيشة داخل الدول التي يتراوح عددها بين 60 و70 دولة، وتتسم بدخل فردي متوسط أو مرتفع، وتجميد هذه المستويات في بقية الدول ذات الدخل المتوسط أو المنخفض.
ويستند هذا النهج الآيديولوجي إلى مشاعر مناهضة للرأسمالية لا تزال قائمة منذ سقوط الاتحاد السوفياتي وصعود رأسمالية الدولة في الصين الشعبية؛ إذ أعاد كثير من «أيتام» ماركس وستالين تعريف أنفسهم كـ«خُضر»، أو ما يُطلق عليهم «البطّيخيّون» – أخضر من الخارج، وأحمر من الداخل.
من جهتها، تصر زعيمة حزب «الخُضر» في فرنسا، مارين تونديلييه، التي أعلنت حديثاً ترشحها للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2027، على أن البرنامج النيوماركسي لـ«الجبهة الشعبية الجديدة»، المكونة من أحزاب اليسار المتشدد، السبيل الوحيدة لإنقاذ الكوكب. وقد أثّر هذا النوع من التسييس على أحزاب «الخُضر» الأخرى في أوروبا والأميركتين؛ ما أدى إلى تقلّص قاعدتها الانتخابية بشكل كبير في بعض الأحيان.
وسيتضمن مؤتمر بيليم وثائق عدة، من بينها واحدة تتناول خمس «أولويات»، وأخرى تتناول إحدى عشرة «أولوية». وتخلط كلتاهما بين قضايا عامة، مثل حقوق الإنسان، وتمكين المرأة، والمساواة الاجتماعية، وبين قضايا بيئية مثل الطاقة، وحماية التنوع البيولوجي، وإدارة الموارد المائية.
وتبرز من بين هذه الموضوعات مسألة واحدة فقط تُعرض تحت عنوان «التكيّف مع التغييرات المناخية»، والتي تلمّح إلى حقيقة مهمة مفادها أن «المحاربين من أجل البيئة» – أو «المهووسين بالبيئة» كما يسميهم منتقدوهم – يعتقدون أن الاحترار العالمي أصبح أمراً لا رجعة فيه، وأن أفضل ما يمكن للبشرية فعله هو الحد من الأضرار المحتملة والتأقلم مع الحياة في ظل مناخ عالمي أكثر دفئاً.
إحدى المشكلات المرتبطة بكل ذلك أن نظرية الاحتباس الحراري مبنية على افتراضات لا يمكن اختبارها علمياً إلا بدرجة من الاحتمالية. على سبيل المثال، كان إعصار ميليسا واحداً من 15 ثوراناً طبيعياً من هذا النوع في منطقة البحر الكاريبي منذ ستينات القرن التاسع عشر، عندما بدأت الإمبراطورية البريطانية آنذاك بتسجيل مثل هذه الأحداث.
في المجمل، مرت الأرض بخمسة أحداث رئيسة على الأقل دمرت النظم البيئية القائمة. وإن كان هذا لا ينفي أن النشاط البشري تسبب في مآسٍ، مثل اختفاء بحر آرال في آسيا الوسطى، وبحيرة أورميا في إيران، والتصحر في أجزاء كبيرة من آسيا وأفريقيا... إلا أن إلقاء اللوم على النشاط البشري وحده في ما يخص اضطرابات النظم البيئية، يتجاهل حقيقة أن النشاط البشري يجب أن يُنسب إليه الفضل كذلك في إنقاذ الكثير من النظم البيئية، وجعل أجزاء كبيرة من العالم صالحة للحياة البشرية والحيوانية والنباتية.
ويتبنى الكثير من كبار الأسماء المهتمة بالبيئة، وجميعهم من دول ثرية، موقفاً دينياً يعتبر الإنسان مستأجراً للأرض لا مالكاً لها، ويحملون بداخلهم قناعة ضمنية بمفهوم الخطيئة الأصلية، التي لا يتعذر التكفير عنها إلا بقبول الحياة المادية التي هي أكثر فقراً. ومن وجهة نظر هؤلاء، فإن الأرض ملكٌ لجميع الكائنات الحية أو شبه الحية، من الشعاب المرجانية وفيروسات «كورونا» والحشرات والحيتان، وصولاً إلى تايلور سويفت.
ويغفل هؤلاء أن جزءاً كبيراً من الكوكب يتكون مما يعتبرونه غير حي، مثل الأدغال والغابات والأحراش والأنهار والبحيرات والبحار والجبال، ونعم، القرى والضواحي والبلدات والمدن.
ويكمن النموذج الأعلى، في اعتقادهم، في طبيعة تُترك وشأنها لتفعل ما تشاء. أما الإنسان، فإما أن يصفق لها أو يرتعد منها خوفاً.
ومن بين كل ما يجري تصنيفه باعتباره حياً أو شبه حي، وحده الإنسان قادر على التضحية بالنفس والتكيّف والعمل الإيجابي في سبيل إنقاذ الكوكب. في الواقع، إن المدافعين عن البيئة الذين يُخربون أو يوقفون بناء طريق أو مطار جديد، المجتمع المحيط في أمسّ الحاجة إليه، ويغلقون المناجم والمصانع؛ ما يُدمّر وظائف عديدة، يتجاهلون مفارقة كبرى في حياتنا: العيش على أساس اللاغد مع افتراض وجود غد.
والواضح أن الأسماء الكبرى المعنية بالبيئة تمقت الحضارة التي، كما أشار جلجامش، هي ثمرة فعل الإنسان في الطبيعة. وكما أشار جلجامش، من دون تدخل الإنسان، حتى هومبابا العظيم محكوم عليه بالهلاك.
وسواء شاءت غريتا ثونبرغ أو لا، لا يمكن إنقاذ الكوكب من دون مالكه الشرعي؛ الإنسان. ستفترض غريتا، بالطبع، أننا نعني بالإنسان «الأبيض، الذكر، الرأسمالي، الأميري» - الهدف الخيالي لكراهيتها.
الخلاصة أنه إذا أردنا أن نأخذ قضية إنقاذ الكوكب على محمل الجد، فعلينا أن نجعلها أقل سياسية، وأكثر علمية، وأقل معاداة للرأسمالية، وأقل معاداة للولايات المتحدة، وأكثر دعماً للنمو.
وقد انتهت اجتماعات «كوب» السابقة بتبادلات حادة، وخطابات مُفرطة في الذاتية، وشعارات مُبالغ فيها، وصفقات غير نزيهة؛ ولذلك لم يحالفها النجاح. هذه المرة، ربما يُساعدهم «بيليم» على ذلك.


