سهام القحطاني
«سقراط قتلته فلسفته، وشهرزاد أحيتها فلسفتها..هذا الفرق بين الرجل الفيلسوف والمرأة الفيلسوفة».
سوزان لانجر صاحبة كتاب الفلسفة مفتاح جديد ،حنة آرنت مُؤلِفة «تفاهة الشر و حياة العقل»،جوليا كريستيفا وأفكارها الملهمة في ما بعد البنيوية و فلسفة الصيرورة.
نساء برعن في الخطاب الفكري الفلسفي المعاصر ومع ذلك حُبسن في الظل في حين أشرقت أسماء مثل هيجل و كانط و نيتشه.
فلماذا تظل المرأة الفيلسوفة رهينة الظل مقابل حرية الإشراق التي يحظى بها الفيلسوف؟.
كان سقراط يرى أن المرأة مخلوق جميل ولكنه مسموم بسبب ضيق فكره، ولعل هذا الرأي كان له صدى في ذهنية تلميذه أفلاطون وموقفه من المرأة، التي أخرجها من جمهوريته الفاضلة ؛باعتبارها أقل مرتبة من الرجل في الفضيلة والعقل، وأنها تُمثل عبئا فكريا وأخلاقيا على جمهوريته.
ودعم أرسطو رأي أفلاطون واعتبر المرأة أقل قيمة من الرجل لأنها لا تحمل نطفة الحياة مثل الرجل، وتوافقت آراء نيتشه مع أفلاطون وأرسطو في مضمونها وإن اختلفت الأساليب.
وإذا كان هذا الحال بالنسبة لإنكار القيمة في ذاتها، فما يستتبعه هو إنكار كل فعل قد يُثبت ماهو عكس إنكار تلك القيمة.
لذا، لا يمكن الإغفال عن تأثير فكرة الفلاسفة عن المرأة من أبعادها عن الخطاب الفلسفي و تشكيل نسق آحادي يحمي الفلسفة من المرأة،نسق مع التقادم حول الفلسفة إلى حق مكتسب خاص بالرجال. وبما أن التاريخ يكتبه الرجل فقصد التغيب لايمكن استبعاده ليس سوء نية بل نتيجة قابلة للاحتمال.
ولذلك فإن الغياب ليس برهانا على وجوب النفي، كما لا يعني وجوب حقيقة الإنكار، أو إقرار بحقيقة عدم القدرة والكفاءة، بل يعني أشياء أخرى تتعلق بطبيعة البشر بأنانية حصرية التمييز والتفوق والإبداع.
ومن هذا المنطلق يتحرك السؤال الشائك و المتشابك حول مسألة المرأة و الفلسفة: هل تعرضت المرأة الفيلسوفة للتمييز المقصود في مجال صناعة الخطاب الفلسفي؟،أم أن ظروفها الاجتماعية والنسق الثقافي الذي أحاط بها لعب دورا في قدر هذا التمييز؟.
أو أن الأمرين اجتمعا بنسبتين متفاوتتين في التأثر والتأثير؟.
فالاعتقاد بأن الظروف الاجتماعية التي أحاطت المرأة عبر التاريخ كان لها تأثير في تعرضها لنظام التمييز هي حقيقة وقعت في طريق الرجل، وإن لم يكن المُنشئ الأول لها، لكنه استثمرها بقصد أو بدون قصد، سواء من خلال دعم هذا النظام ونسقه بصمته أو التأكيد عليه بأساليب مبطنة؛ من خلال تشتيت «توصيف قدراتها المعرفية بالاستثناء أو المجاز» وهما مؤشران لإنكار أصل القدرة.
في الحضارتين الهندية والصينية كانت توصف المرأة «الفيلسوفة» « بالحكيمة». فالرجل فيلسوف و المرأة حكيمة، وإن تشاركا في فعل الفكر وانتاجه، والفرق بين الدلالتين شاسع، فالحكمة هي حاصل الخبرة و التجربة؛ أي لا تمثل قيمة الذات العالمة لصاحبها بل للظرف ،كما أنها غير قابلة للتحول إلى إنجاز و أثر تاريخي،و الفلسفة حاصل العلم و المعرفة وهما مؤشران لقيمة الذات المفكرة للرجل، وبذلك فنحن أمام تمييز تصنيفي لذات الفكر وانتاجها.
وفي العصر الحديث لم يختلف الأمر، بل تبدلت التوصيفات، فقد رٌفعت صفة الفيلسوفة عن النساء اللائي اشتهرن بالفكر الفلسفي تحت توصيفين مثل «النسويات و الناشطات»، كما إن إحاطة الوعي الفكري والفلسفي للمرأة بصفة النسوية القصد منه تقليل قيمة الأفكار التي تدعو إليها و شموليتها وحصرها في قالب هذه الوصفية التي تغلب عليها الوقتية والوجدانية و التمرد الجنسي، وهي خصائص تًزعزع ثقة المجتمع في الخطاب الفكري للمرأة.
ولذا نجد أنفسنا في ذات الدائرة القديمة» التمييز التصنيفي لذات الفكر وانتاجها»، وكأن تثبيت بطاقة الصفة الأنثوية على جدار الفلسفة هي إساءة لذات العلم، واقتحام لأسوار فحولته.
في عام 2015 صرحت أستاذة في جامعة شفيلد أن النساء يتركن تخصص الفلسفة بسبب «تعرضهن للأذى والإجراءات الانتقامية من قبل الأساتذة الرجال».
و اليوم لا تعاني المرأة الفيلسوفة من التمييز في مجال الفلسفة في مفهومه الحرفي، بل بمفهوم عدم الثقة في طرحها وجديته واستدامته، وقدرتها في التحليق الحرّ في فضائها و الإضافة إليه!.
وقد لا يكون السبب التعمدّ كونها امرأة؛ أي التمييز في مؤشره الصريح، بل بسبب ترسبات الخلفية التاريخية وتداولية النسق الثقافي وهيمنته بأن الفلسفة هي فكر وانتاج فحولي؛ أي « للرجال فقط».


