: آخر تحديث

التحديات في عالمنا!

4
3
3

أسامة يماني

القدرة على مواجهة التحديات ملكة لا يملكها إلا المتميزون. هذه الملكة تتطلب الشجاعة الفكرية والعقلية والنفسية والعملية. كما تتطلب مواجهة التحديات وعياً وإدراكاً وحسن تقدير. لأن القدرة على مواجهة التحديات ليست مجرد رد فعل، بل هي ملكة فريدة تتحوّل مع الوقت إلى هوية يتّسم بها أصحابها. فهي لا تقتصر على الصمود في وجه العاصفة، لأنها فن تحويل التحديات إلى وقود، وجعل كل عقبة نواة لفرصة خلاقة، وفي كل فشل درس مُعدٍ، وفي كل أزمة منصة انطلاق. القدرة على مواجهة التحديات هي مزيج نادر من الشجاعة والحكمة، وهي ما يميّز القادة والمبدعين وأصحاب التأثير. لكنها في النهاية خيار متاح للجميع، وليست هبة حصرية.

إن مواجهة التحديات تُلهم الفريق ومن حوله وتخلق تأثيراً إيجابياً يمتد إلى مجتمعاتهم. لا يجب التوقف عند الأخطاء. بل يجب البناء على الإنجازات وجعل الأخطاء تحديات يجب تجاوزها.

من هذه المنطلقات يكون البناء للمستقبل والطريق للنجاح. إعادة الأولويات ضرورة ملحة للبناء والازدهار. إن أعظم مواجهة للتحديات تبدأ بإعادة ترتيب الأولويات. الأولوية لم تعد للمحافظة على الواقع، بل لصناعة المستقبل. الأولوية لم تعد للقطاع الواحد أو مكان، بل لاقتصاد متنوع. والأولوية القصوى هي لإنسان واعٍ، شجاع، لا يخشى الفشل. هذا هو الطريق الذي لا يؤدي فقط للنجاح، بل يؤسّس لمرحلة جديدة في حياة الأمم، تُبنى فيها الثروة ليس فقط من الموارد، بل من قوة الإرادة وحكمة التقدير. إن اتخاذ قرارات جريئة مثل خصخصة قطاعات كبرى، أو فتح المجال للترفيه، أو استهداف استقطاب الاستثمارات العالمية يتطلب شجاعة فكرية استثنائية لكسر النمطية التقليدية، وشجاعة عملية لتنفيذها في واقع معقد. كما أن التحديات لا تقهر بالأموال أو الوفرة وحدها، بل من خلال تكريس هذه الملكة على مستوى الفرد والمجتمع. من خلال تصويب المسار، وتعزيز ثقافة الابتكار وريادة الأعمال، وغرس قيم الإيجابية والمرونة في المناهج التعليمية، وتحويل «مواجهة التحديات» من شعار إلى ثقافة يتعلمها الأبناء ويتفوق فيها الشباب.

يتمثّل التحدي الأكبر ليس في وضع الإستراتيجيات، بل في تنفيذها وسط عواصف الشك والتغيير. وهذا بالضبط ما يجعل من مواجهة التحديات فناً قائماً بذاته، يحتاج إلى صقل مستمر وإيمان راسخ بالرؤية. فالشجاعة وحدها لا تكفي إذا لم تترجم إلى خطوات عملية واضحة، والوعي لا قيمة له إذا لم يتحوّل إلى قرارات حكيمة في لحظات الحسم.

ولعل أبرز ما تعلمناه أن «القرار الشجاع» غالباً ما يكون مرادفاً لـ«القرار الذكي». إن فتح قطاعات جديدة أمام الاستثمار ليس مجرد مخاطرات محسوبة، بل استباق للمستقبل، وتأكيد على أن المنافسة العالمية تتطلب الخروج من منطقة الراحة المؤسسية والفردية.

إن الأمم لا تُقاس بوفرة مواردها، بل بقدرة أبنائها على تحويل التحديات إلى سلم للصعود. والإرادة لا تقاس بقوة القرارات في أوقات الرخاء، بل بالثبات على المبادئ في أوقات الشدة. والنجاح الحقيقي ليس في الوصول إلى القمة، بل في القدرة على البقاء هناك، ثم رسم قمة جديدة للتسلق.

إن مسيرة التحدي ليست سباقاً عابراً، بل هي رحلة بناء متواصلة. إنها الرحلة التي لا تنتهي عند حدود الإنجاز، بل تتجدّد مع كل حلم جديد، وتتسع مع كل أفق يُفتح. فالقدرة على المواجهة -بهذا المفهوم- ليست مجرد مهارة نتعلمها، بل هي عقد نفسي وفكري نبرمه مع ذواتنا، لنكون من الصانعين لا المنفعلين، ومن المبادرين لا المنتظرين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد