بعد أكثر من سبعة عشر عاماً من الكتابة في الشأن السياسي، بين مقالات الرأي والتحليل والموقف، أدركت أن الحبر لا يُستهلك فقط في متابعة الحدث، بل يمكن أن يفيض ليروي تفاصيل أخرى في المشهد العام لا تقل أهمية أو عمقاً، فالسياسة كانت وستبقى جزءاً من المشهد، لكنها ليست المشهد كله. هناك في الحياة اليومية ما يستحق أن يُقال بعيداً عن ضجيج التصريحات وصخب المواقف، في المساحة التي تتسع للعقل والقلب معاً.
من هنا وُلدت زاويتي الجديدة: «بعيداً عن السياسة».
زاوية لا تنفصل عن الواقع، لكنها تختار أن تراه من زاوية مختلفة؛ زاوية الإنسان في إدارته، والمجتمع في تفاصيله، والفكر حين يُترجم إلى ممارسة. هذه الزاوية لن تكون هروباً من السياسة، بل اقتراباً من جوهرها الإنساني والاجتماعي، من حيث تبدأ الأفكار قبل أن تتحول إلى قرارات، ومن حيث تتشكل المواقف في عمق التجربة اليومية.
«بعيداً عن السياسة» مساحة تأمل في مشاهدنا العامة؛ في الإدارة حين تكون قيادة، وفي القيادة حين تتحول إلى قدوة، وفي الثقافة والفن بوصفهما مرآة المجتمع وضميره الناعم. سنتناول قضايا الفكر الإداري، وتجارب النجاح المحلية، ونماذج التميز في العمل العام، وسنفتح النوافذ على الجمال والفكر والفنون، وعلى تفاصيل الحياة التي تهمس أن التقدم لا يصنعه القرار وحده، بل الإنسان الذي يؤمن بالفكرة ويمارسها بصدق.
في هذه الزاوية، سأكتب عن المشاهد التي تمر بنا كل يوم دون أن نمنحها ما تستحق من تأمل، عن المبادرات الصغيرة التي تُحدث فرقاً، وعن التفاصيل التي تضيء في زوايا الوطن لتقول إن التنمية ليست مجرد مؤشرات، بل ثقافة وسلوك وممارسة يومية. سأكتب عن المجتمع السعودي وهو يعيد تعريف نفسه في زمن التغيير، وعن الإنسان السعودي وهو يكتشف في كل مرحلة معنى جديداً للانتماء والتميز والريادة.
زاويتي السياسية ستبقى في موعدها الأسبوعي كل أربعاء كما اعتاد القراء، لأن السياسة ستظل ساحة لا تغيب عنها الأسئلة. لكن «بعيداً عن السياسة» ستكون مساحة موازية.. أكثر هدوءاً وعمقاً، تتيح للكتابة أن تتنفس خارج الإيقاع السريع، وأن تلامس الفكر والمجتمع والثقافة والفنون بلغة أقرب إلى التأمل منها إلى الجدل.
فالحياة ليست فقط ما يحدث في العناوين الكبرى، بل أيضاً ما يحدث في التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفرق الكبير.
أهلاً بكم في «بعيداً عن السياسة».. حيث نكتب عن الإنسان، ونقرأ الوطن من مساحاته الأجمل، بعيداً عن السياسة.. ولكن أبداً، غير بعيدين عن الحياة!


