: آخر تحديث

الوطن.. بين دمعة عبدالرزاق وابتسامة غازي

2
2
2

لا أنسى ما حييت دمعة الأستاذ الدكتور حاتم الضامن حينما زرته في دبي ليلة سقوط بغداد وكنت معزياً له، وكان أول لقاء وآخر لقاء به رحمه الله، وماذا لو رأى العراق الجريح بعد كل هذه السنوات، ماذا لو رآه الآن شعراؤه الفحول من أمثال الجواهري والبياتي ومظفر النواب وعبدالرزاق عبدالواحد وهو يمر بأقسى حقبة سوداوية من التاريخ الإنساني، ماذا لو رأوه وقد فتكت به الطائفية التي استحضروها له وفرضوها على العقلية العراقية المتمدنة التي لا تقبل كل هذا التخلف والجاهلية بعد حصار لا يرحم، وماذا لو رأوا تلك المقاطع المسربة التي يقتل فيها العراقي أخاه العراقي على هويته ومنطقته ومذهبه.
يبكي العظماء أوطانهم لأن الوطن عندهم له مفهومه النبيل، خصوصاً أن فحول العراق يستحضرون دروس عراقهم الذي علّم البشرية القانون والزراعة والموسيقى والحضارات وسحر الحياة والاستفادة من التنوع العرقي والمذهبي الذي يعد رافداً من روافد التاريخ العريق لأي أمة عظيمة، ولذلك كانت أكبر خسارة للإنسانية هو اختفاء كنوز حضارات العراق وسوريا ومصر واليمن وسرقتها وتحطيمها على يد مجموعات من المعتوهين والمغامرين، ومحاولة ضرب العقل فيها للأبد. وأصدقكم كلما تذكرت الوطن في زحمة الفتن وتصفية الحسابات ومؤامرات المرتزقة الطارئين، تذكرت شاعرين كان للوطن مفهومه المختلف عندهما، أحدهما عبدالرزاق عبدالواحد، ذلك الشاعر الذي غنى للعراق وآماله وآلامه، ولا تنسى النخب دمعته الحرى وهو ينشد قصيدته التي ودع فيها العراق بعد تهديده بالقتل: «كبيرٌ على بغـداد أنـي أعافُهـا.. وأني على أمنـي لدَيهـا أخافُهـا)، فالشاعر يريد أن يقول لم تعد بغداد تلك التي أعرفها آمنة، وكبير عليها أن أغادرها وأنا الذي أفنيت حياتي في حبها الخالص..
والآخر: غازي القصيبي، وربما كانت أجمل عبارة في تقديم الأستاذ عثمان العمير لمقالاته في كتاب «في عين العاصفة»: «الغريب أنهم يكررون النفط وأنفسهم شكلا ونوعا وتصرفا ولا يكررون غازي القصيبي».. وقد تميز غازي بالحديث في وقت صمت فيه الآخرون، وتفرد بالموقف الذي لا يقبل الحياد مع قضايا الوطن الكبرى، ويحكي عثمان عن ردة فعل غازي حينما أخبره بالهاتف بعد نشر مقاله الأول باعتذار جريدة الشرق الأوسط عن عدم إكمال مشواره فيها، ويقول عثمان كانت المفاجأة أن ردة الفعل كانت ضحكة فقط من وراء الهاتف، لم ييأس غازي ولم يتغير في روحه مفهوم الوطن، وحينما غزا صدام الكويت كتب أجمل مقالاته في عين العاصفة، لأن الوطن يستدعيه ويحكي عثمان رئيس التحرير آنذاك: «فاجأني غازي بفاكس فيه المقال الأول وكان مقالا رائعا أعجبني حقيقة، فقد كنا في حاجة إليه كإعلام خليجي»، والأعظم في مسيرة غازي الاستثناء أنه كان في ظل ملك عظيم مثل فهد بن عبدالعزيز رحمه الله، القلب الكبير والسياسي المحنك، والله من وراء القصد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد