: آخر تحديث

أسواق المال بحر من العلم.. فلا تنخدع بخبرتك

2
2
2

محمد سليمان العنقري

مفهوم التمكن من التعامل مع أسواق المال والدورات الاقتصادية عامة، وما يصاحبها من أحداث وتطورات عبر الزمن، الذي يسمى مجازا تراكم الخبرة، قد يكون أكبر مخدر لمن يعتقد أنه امتلك علم التعامل مع كافة مراحل السوق أو الاقتصاد، فمهما بلغ الفرد من المعرفة فيها يبقى بحاجة للتعلم دائما ولذلك تجد مسؤولي الشركات وحتى الجهات الرسمية يستعينون بعدد كبير من الخبرات بمختلف المجالات ذات الصلة بأعمالهم، حتى يحسنوا من جودة القرار ويتجنبوا آثار الأزمات ويستغلوا الفرص في مهدها ويبنوا استراتيجيات صحيحة تواكب الحراك العالمي الذي لا يتوقف.

وفي هذا السياق لا بد من تحديد مفهوم من يمتلك خبرة واسعة تعينه على التعامل مع مراحل تطورات أحداث الأسواق والاقتصاد ودوراتها، فبخلاف الشهادات العلمية، فإن من عاصر عدة أزمات عايشتها الأسواق ولأسباب متنوعة، سواء اقتصادبة أو مالية أو جيوسياسية وكذلك من تعلم من دورات الرواج فيها وأسباب الانتعاش والنمو وكيف يقرأ الفرص أو اي تطورات لها تداعيات سلبية أو إيجابية مع معرفة تراكمية بأثر القرارات الاقتصادية أو السياسات المالية والنقدية وتشعباتها، بحسب كل مرحلة يتم فيها تغيير بمنهجيتها أو توجهها قد يمتلك قدرا كبيرا من الخبرة تصوب له قراراته وقراءته لمراحل الأسواق وتقلباتها.

ونذكر من الأمثلة التي تعد درسا كبيرا لمتوسطي أو حديثي العهد بالأسواق، الأزمة المالية العالمية التي انطلقت شراراتها في عام 2008م فأذكر تصريحات لخبراء مصرفيين عرب وأمريكيين وأوروبيين ممن تجاوزت خبراتهم ثلاثين وأربعين عاما أنهم أكدوا جميعا بأنهم طوال عملهم ومع كل ما عايشوه من أزمات متنوعة الأسباب كبيرها وصغيرها بأنه لم يسبق أن شاهدوا مثل هذه الأزمة، نظرا للتطورات الهائلة لمنتجات الاستثمار وتسارع حركة الأموال عبر مشتقات مالية معقدة، جاء أول اختبار لها بتلك الأزمة، فسقطت أكبر البنوك العالمية وأهمها «ليمان براذرز» الذي تأسس عام 1850 م وعايش حربين عالميتين وأزمات اقتصادية ومالية منها الكساد العظيم واستمر بالعمل 158 عاما ولكن مع ذلك سقط بهذه الأزمة وأفلس ومثله عشرات البنوك، حيث تغيّرت خارطة مؤسسات القطاع المالي في أمريكا والعالم وظهرت العملات المشفرة واهتزت الثقة بالدولار واليورو وغيرهما من العملات الرئيسة عالميا وضخت تريليونات لاستيعاب تلك الأزمة وأفرزت إشكاليات يعاني منها الاقتصاد العالمي إلى يومنا الحالي، مثل ارتفاع الديون السيادية وكذلك التضخم نتيجة الإفراط في التيسير الكمي مع أسعار فائدة شبه صفرية، ثم جاءت أزمة كورونا غير المسبوقة بآثارها الصحية المجهولة، مما أدى إلى القيام بالإقفال الكبير وما صاحبه من كوارث اقتصادية، فكل ما ذكر يدلل على أن الفرد يبقى طالبا للعلم مهما بلغت خبرته.

يقال «من ظن أنه علم فقد جهل»، فهذه العبارة المختصرة خير تعبير عن حاجة الفرد للتعلم دائما، خصوصا في أسواق المال التي تتميز بسرعة الحركة والحساسية العالية لأي تطور أو حدث أيا كان نوعه سلبيا أو إيجابيا، فهي تعتمد على قرارات الناس بالبيع والشراء أو الاحتفاظ والتخارج ولكل متعامل استراتيجية مختلفة عن الآخر، فمنهم المستثمر ومنهم المضارب وذات الأمر ينطبق على الاستثمار المؤسسي، فهناك صناديق للمضاربة وأخرى للاستثمار طويل الأمد وبعضها لأسهم النمو أو متخصصة بقطاعات مما يعني أن تقلبات حركة الأسواق هي نتاج طبيعي لقرارات المتعاملين اليومية أو لمدد أطول وأيضا لمدى معرفتهم بقراءة الدورات الاقتصادية وكذلك القوائم المالية وغيرها من الأسس التي يبنى على أساسها قرار التعامل مع السوق وهو ما يتطلب دائما التعلم والاستفادة كذلك من تجارب الآخرين العميقة بأعوامها ومواكبتها لدورات الأسواق وأحداثها المؤثرة فيها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد