«إيلاف» من الرباط: أطلق المغرب أخيرا مشاريع استثمارية ضخمة في مجال صناعة الأسمدة والمخصبات الزراعية ناهزت قيمتها الإجمالية 10 مليار دولار.
تتعلق هذه المشاريع بإنشاء منصات صناعية في إطار شراكات مع مجموعة من الدول الإفريقية المنتجة للغاز الطبيعي، منها إثيوبيا ونيجيريا والغابون، إضافة إلى استثمارات في مصانع لتركيب الأسمدة ومرافيء ومخازن في دول أخرى كجيبوتي وروندا وكوت ديفوار.
ومن أبرز المشاريع التي جرى إطلاق تنفيذها في إطار هذا المخطط، إنشاء منطقة صناعية مندمجة تضم 9 مصانع في إثيوبيا، ومنطقة صناعية مماثلة من ثلاثة مصانع في نيجيريا، ومنطقة صناعية ثالثة من نفس الصنف في الغابون. وستُزود هذه المصانع بالغاز الطبيعي الإفريقي، من جهة، وبالحامض الفسفوري وحامض الكبريت التي تصنع انطلاقا من الفوسفات المغربي في المنطقة الصناعية المغربية الجرف الأصفر جنوب الدار البيضاء.
وتهدف هذه المشاريع، التي جرى إطلاقها خلال جولة العاهل المغربي الأخيرة في إفريقيا، إلى تثمين الفوسفات المغربي والغاز الطبيعي الإفريقي، وتسخيرهما في سبيل تحقيق الإكتفاء الذاتي للقارة الإفريقية من المخصبات الزراعية والرفع من مستوى إنتاجها الزراعي بهدف ضمان أمنها الغذائي.
وتقدر دراسات جدوى المشاريع حاجيات إفريقيا من الأسمدة الضرورية لتحقق "ثورتها الخضراء" بنحو 10 مليون طن في السنة، والتي ستحول إفريقيا إلى أحد كبار منتجي الأغذية في العالم بالنظر إلى مؤهلاتها الزراعية الضخمة. وتشير الدراسات إلى أن إفريقيا تعتبر اليوم الأقل استهلاكا للمخصبات في العالم، إذ لا يتجاوز متوسط استهلاكها من الأسمدة الزراعية13 كيلوغراما للفرد، مقابل 98 كيلوغراما في المتوسط عالميا، و300 كيلوغرام للفرد في آسيا.
التكامل والتعاون بين الدول الافريقية
وتنطلق هذه المشاريع من مبدأ التكامل والتعاون بين الدول الإفريقية، من خلال التثمين المشترك للموارد الطبيعية للدول الإفريقية ووضعها في خدمة تنمية إفريقيا ورفاهية سكانها. ففي اثيوبيا يهدف المشروع المشترك بين المجمع الشريف للفوسفات المغربي والحكومة الإثيوبية إلى استثمار 3.8 مليار دولار في منصة صناعية مندمجة تستهدف توفير 2.5 مليون طن من الأسمدة في 2022، ورفع قدراتها الإنتاجية في مرحلة ثانية لتبلغ 3.8 مليون طن في 2025.
وتتكون المنصة الصناعية، التي يجري إنشاؤها في منطقة ديرة داوا الاثيوبية ، من مصنعين لتحويل الغاز الطبيعي الإثيوبي إلى أمونياك بطاقة إنتاجية تناهز مليون طن في السنة. وسيتم تموين المصنعين بالغاز الأثيوبي عبر خط أنابيب يربط المنصة الصناعية بحقول الغاز بمنطقة أوغادن (جنوب شرق البلاد) على مسافة 50 كيلومترا.
كما تضم المنصة الصناعية ديرة داوا مصنعا لدمج الأمونياك المنتج في المصنعين الأولين مع الحامض الفوسفوري وحامض الكبريت القادمان من المغرب، من أجل تصنيع السماد المركب من الآزوت والفوسفات والكبريت. ولتموين هذا المصنع بالمواد الكيماوية القادمة من منطقة الجرف الاصفر بالمغرب، سيتم إنشاء رصيف لتفريغ الحامض الفوسفوري وحامض الكبريت ومخازن لاستقبالهما في ميناء جيبوتي الذي يبعد 380 كيلومترا من المنطقة الصناعية ديرة داوا في إيثيوبيا. وستنقل المواد الكيماوية إلى المصنع عبر القطار. وسيوفر المصنع في مرحلته الأولى 1.5 مليون طن من السماد المركب من الآزوت والفوسفات والكبريت سنويا. وبالموازاة مع ذلك تشمل المنصة الصناعية خطا إنتاجيا ثانيا لتحويل الأمونياك إلى مادة اليوريا (Urea) عبر مصنعين خاصين تبلغ طاقتهما الإنتاجية معا مليون طن سنويا.
بعد ذلك سيتم تجميع سماد "الآزوت والفوسفات والكبريت" مع اليوريا في مصنع سادس، مع إضافة مواد أخرى مغذية للتربة، مثل البوتاسيوم، بهدف إعداد المنتجات النهائية قبل طرحها في أسواق أثيوبيا والدول المجاورة، كالصومال وجيبوتي وكينيا وإريتريا والسودان. وسيتم في هذا المصنع الأخير تصنيع منتجات متنوعة وتركيبات مختلفة من المخصبات حسب أنواع التربة والزراعات المستهدفة والملائمة لكل منطقة.
إنشاء محطة لتوليد الكهرباء
إضافة إلى ذلك ، يتضمن المشروع إنشاء محطة لتوليد الكهرباء لتوفير الاكتفاء الذاتي من الطاقة للمنصة الصناعية، إضافة إلى تجهيزات لضخ الماء ومحطة لمعالجة المياه المستعملة. وستبدأ المنصة ب 6 مصانع في مرحلتها الأولى، لتصل إلى تسع مصانع قبل 2025.
وفي نيجيريا ، أطلق المجمع الشريف للفوسفات بالمغرب مشروعا صناعيا ضخما مماثلا بشراكة مع مجموعة دانغوت الإستثمارية الخاصة التابعة لرجل الأعمال الإفريقي أليكو دانغوت. وتبلغ الكلفة الاستثمارية للمشروع 2.5 مليار دولار، ويهدف إلى توفير مليون طن من السماد باستعمال الفوسفات المغربي والغاز النيجيري في أفق 2018، لتبلغ الطاقة الانتاجية للمشروع عند اكتماله في 2025 نحو 2 مليون طن من الأسمدة الفوسفاتية.
وفي الغابون ، أطلق المجمع الشريف للفوسفات المغربي مشروعا مماثلا بشراكة مع الحكومة الغابونية، باستثمارات تناهز 2 مليار دولار وبقدرة إنتاجية تناهز 2 مليون طن في السنة من المخصبات المصنعة انطلاقا من الفوسفات المغربي والغاز الغابوني.
أما في رواندا وكوت ديفوار ودول أخرى فيخطط المجمع الشريف للاستثمار لإنشاء وحدات صناعية موجهة لخلط الأسمدة الفوسفاتية واليوريا مع إضافات مغذية للتربة وتعبئتها حسب الحاجيات الخاصة بكل منطقة من مناطق التسويق وفقا لأنواع الزراعات والتربة.
وبالموازات مع هذه المشاريع الصناعية الضخمة يتضمن المخطط التنموي للمجمع الشريف للفوسفات في إفريقيا الاستثمار في أرصفة شحن بالموانيء ومخازن ضخمة وشبكات توزيع محلية وإقليمية للأسمدة والمخصبات ومختبرات لدراسة أنواع التربة والحاجيات الزراعية، بالإضافة إلى برنامج للإرشاد الزراعي عبر تنظيم قوافل تجوب مناطق البلدان المستهدفة للقاء صغار المزارعين وتحسيسهم بأهمية استعمال الأسمدة وأساليب ترشيد استعمالها حسب احتياجاتهم الحقيقية.
وأطلق المجمع الشريف للفوسفات حملات التوعية في الدول الإفريقية المستهدفة ابتداء من العام الماضي عبر تنظيم القوافل في العديد من الدول الإفريقية منها نيجيريا وغينيا كوناكري وكوت ديفوار ومالي. كما شرع في تكوين عشرات المهندسين والفنيين المحليين عبر تنظيم دورات تدريبية في المغرب وفي بلدانهم. كما أطلق المجمع الشريف للفوسفات مبادرة إنشاء خرائط الخصوبة في عدة دول إفريقية، والتي تشكل دليلا مرجعيا اساسيا بالنسبة للمزارعين والمستثمرين الزراعيين، إذ يتم إنجازها على أسس علمية عبر دراسة وتحليل أنواع التربة في كل منطقة وتحديد المزروعات الأكثر ملائمة لها والتقنيات الزراعية المناسبة.