لم تكن خطبة الجمعة الماضية مصادفة بل تدبيراً إلهياً حكيماً، فقد ذكرت في منصة (x) أنه من أعجب ما حدث في أمر قطيعة الرحم، وأنا شاهد على ما حدث، وأقسمت أنني متأكد من تفاصيل ما حدث، كان يعاني ويشتكي من أذى قريب له يقول: أحسنت إليه كثيراً، وأساء إليّ كثيراً، وأذاني هذه الأيام، وأشير عليّ أن أدعو عليه فلم أستطع، ودعوت له بالهداية والصلاح أو أن يكفيني الله شره بما يشاء، حدثني عن وضعه وأيّدته بما دعا وأن لا يدعو عليه بل له، وفجأة دخلنا جامع الأميرة سارة بحي التعاون الجمعة حيث اعتاد أن يخطب بنا الشيخ د. عاصم الحمد خطباً غاية في المعالجة لمشكلات المجتمع، وغاية في الدقة والتثبت والشمولية والاستناد والاستشهاد بما ورد في الكتاب والسنة، فإذ الخطيب هو نائبه الشيخ سفيان بن ماهر القحطاني؛ لمصادفة سفر الشيخ عاصم، وإذا بالخطبة عن قاطع الرحم وما سيلقاه في الدنيا والأخرة من سوء المصير، وكيف يتعامل من أذاه قريب قاطع للرحم، فيصل من قطعه، ويستمر في الإحسان لمن أساء له، في خطبة مؤثرة مدعّمة بما ورد في القرآن الكريم والأحاديث الصحيحة، فنظرت للمظلوم فإذا هو غارق في دموعه، وكأني به يحمد الله أنه لم يدعُ على قريبه.، وما إن أتممنا الصلاة والتسبيح وهَمّ الشيخ سفيان بالخروج، سلمت عليه ودعوت له، وطلبت منه نسخة من الخطبة، واستأذنته بنشرها، لعل قريب المظلوم يقرؤها وتحرك مشاعره ويفيق من سباته ويستعيذ من الشيطان، ومن المؤكد أنها ستنفع الآلاف غيره، فكم بيننا من قاطع رحم ظالم! وكم من مظلوم حائر في حاجة لما ورد فيها! فالظالم يكف عن ظلمه، والمظلوم يصل من قطعه، فما حدث تلك الجمعة لم يكن صدفة بل رحمة من الله.
خطبتَي صلاة الجمعة محاضرة أسبوعية قيّمة، من شأنها أن تعالج مشكلات اجتماعية كثيرة، ومن شأنها أن تنبه عما قد يغيب عن أذهان الكثيرين وتوقظ ضمائر نائمة، خاصة أنها محاضرة مراجعها الكتاب والسنة وما روي من الأحاديث الصحيحة، ودور الخطيب هو اختيار الموضوع والتذكير بما ورد عنه في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهذا ما حدث في الجمعة الماضية، أنظر كيف أن الخطبة الأولى تناول فيها الشيخ سفيان أمر قاطع الرحم، فذكر مما ذكر أن من أعظم الأمور التي بعث بها خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم، هي الحث على صلة الأرحام والسعي في الإحسان إليها بشتى الطرق والوسائل، وأن الساعي في قطع الأرحام معرّضٌ للّعن، وهو الإبعاد والطرد من رحمة اللّه، وأن قاطع الرحم قد حكم على نفسه بالقطع من كل خير في الدنيا والآخرة، وأن قطيعة الرحم سببٌ للبلايا والمصائب وانعدام البركة وسوء الحال وضيق الصدر وكره الخير وظلمة القلب، فقد تُعجلُ للقاطع العقوبة في الدنيا. ثم في الخطبة الثانية تطرق لفضل الواصل وما له من بشارات عظيمة في الدنيا والآخرة، فمن تلك البشارات أن صلة الأرحام سببٌ في طول العمر وسعة الرزق في الدنيا فتأتي للواصل الأرزاق من حيث لا يحتسب، ويبارك اللّٰه في عمره وصحته وماله جزاء من ربك عطاءً حساباً، والأمر الذي قد يجهله كثيرون أن الواصل ليس بالمكافئ ولكن من إذا قُطعت رحمة وصلها، أي أن تصل من قطعك وعاداك من قرابتك، لا أن تصل من وصلك وتقطع من قطعك.
تلك كانت مختارات مما ورد في تلك الخطبة الهادفة الموفقة، أما رابط نصها كاملاً فموجود على حسابي في منصة (X)، وغني عن القول إن منبر الجمعة هو منبر إصلاح اجتماعي عظيم، من شأن كلمة فيه أن تنبه فرداً ضالاً أو غافلاً، وإذا صلح الفرد صلحت أسرته، وإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع، فالفرد خلية في نسيج الأسرة الصغيرة، وتلك جزء من نسيج اجتماعي كبير، ويجب التأكيد على أهمية استغلال هذا المنبر الأسبوعي أفضل استغلال، يهدي ويهدئ ويصلح ويريح الأنفس وينير الدروب في كل شأن اجتماعي ونفسي وسلوكي، وإن توفرت المعلومة فأيضاً ينير صحياً واقتصادياً، وفي كل المجالات التي يجيدها خطيب الجمعة أو تتوفر لديه المعلومة الموثقة الصحيحة حولها.