: آخر تحديث

عبرة صلح الحديبية للفلسطينيين..

3
4
4

بشرى فيصل السباعي

أعلنت حماس رفضها دعوة الجامعة العربية لتسليم سلاحها للسلطة الفلسطينية والتنازل عن حكمها لغزة، باعتباره شرط دول العالم للاعتراف بالدولة الفلسطينية، ونتنياهو أعلن أنه لن يوقف الحرب والتجويع إلا بتخلي حماس عن سلاحها، ومؤيدو حماس وكلهم خارج فلسطين لم يبالوا بأن هذه المطالبة العربية تعبّر عن إرادة أهل غزة كما هو واضح بحساباتهم بمواقع التواصل وشنّعوا على إيقاف الصراع المسلح ضد إسرائيل؛ لأنهم منساقون وراء غريزة غرور الأنا/‏الكبرياء/‏الأيجو الذي تمثل إسرائيل بالنسبة له كسراً جذرياً، ولذا يشعرون بالنشوة لعمليات حماس ولا يبالون بأن ثمنها تدمير غزة وإبادة أهلها، وهذا الوضع له سابقة بالإسلام بمعاهدة سلام سميت بصلح الحديبية بين النبي وأهل مكة والذي وصفه القرآن «بالفتح المبين» (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً)؛ «قال ابن مسعود: إنكم تعدون الفتح فتح مكة، ونحن نعد الفتح صلح الحديبية»، البخاري. لكن المسلمين كرهوا المعاهدة، فعمر بن الخطاب قال للنبي «ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟، قال: بلى، فقال: فَلِمَ نعطي الدنية في ديننا إذاً؟ حتى أن المسلمين لم ينفذوا أمر النبي عندما كرره عليهم فدخل على أم سلمة فقال: (ما شأن الناس؟)». ومن شروط المعاهدة التي اعتبرها المسلمون تنازلاً مهيناً أمام المشركين:

* إيقاف القتال عشر سنين.

*من أتى محمداً مَن قريش ردَّه عليهم، ومَن جاء قريشاً ممن مع محمد، لم يردُّوه عليه.

والقائد الحكيم يتجاوز ممانعة كبرياء الناس بعقد معاهدة سلام فيها مصلحتهم الواقعية، وكان من نتائج معاهدة السلام أن من دخلوا بالإسلام بعد المعاهدة أكثر من مجموع من دخلوا بالإسلام قبل المعاهدة وهذا مكّن المسلمين من فتح مكة «ذكر ابن هشام أن النبي خرج للحديبية في ألف وأربعمائة، ثم خرج في عام فتح مكة بعد ذلك بسنتين في عشرة آلاف». ودرس معاهدة سلام صلح الحديبية هو أن السلمية لها مكاسب قد تفوق مكاسب الحرب بخاصة عندما يكون المسلمون هم الطرف الأضعف. وقد جرّب الفلسطينيون الصراع المسلح لعقود والذي نتج عنه تدمير مخيماتهم ومدنهم بشكل دوري وإبادة شعبهم بدون تحقيق أي مكاسب واقعية، والآن هناك فرصة لا تعوض لتحقيق مكاسب بالسلمية عبر اعتراف دول العالم بالدولة الفلسطينية وشرطهم أن تكون السلطة الفلسطينية هي الممثل للشعب الفلسطيني وليس حماس، ومن حق الفلسطينيين أن يعيشوا حياة آمنة ويزدهروا عبر الإنجازات العلمية والعملية ولا يتعرّضوا للدمار الشامل بشكل دوري رداً على عمليات الجماعات المسلحة. وفقهاء غزة أفتوا أن الفلسطينيين ليس عليهم جهاد حالياً أسوة بالفترة المكية، وحرّموا العمليات ضد إسرائيل بسبب ما تجلبه على الفلسطينيين من دمار وإبادة-مقال سابق «فقهاء غزة يفتون بتحريم عمليات حماس»، وحماس تعتقد أن ورقتهم الرابحة تعريض الفلسطينيين للمجازر بعملياتهم للضغط على العالم عاطفياً بها للتفاوض معهم؛ قال وزير داخلية حماس «فتحي حماد»: «نحن نشجع إسرائيل على القصف لأنها تزيد التعاطف والترويج العالمي لنا كلما قصفونا ازددنا اتساعاً». أي باعترافهم سلاحهم ليس للدفاع عن الفلسطينيين إنما لاستجلاب المجازر عليهم لأجل الدعاية، واستنكر مفتي غزة د. سلمان الداية سياستهم هذه، والحقيقة الورقة الرابحة للفلسطينيين؛ حصولهم على اعتراف دولي يتمكّنون من خلاله من الاستعانة بالهيئات الدولية لإزالة المظالم عنهم، والدول تمتنع عن تأييد الفلسطينيين والدفاع عنهم بحجة عمليات حماس والجماعات المسلحة، ومنعت إسرائيل الهيئات الدولية من العمل بغزة بزعم وجود علاقات لمنسوبيها بحماس، فالشعب الفلسطيني لا يستفيد شيئاً من سلاح حماس بل هو متضرر منه، وللتذكير؛ الإسبان حرروا بلدهم بالحرب بعد 800 سنة سلام عندما صاروا الأقوى.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد