يربط كثير من الناس السياحة بحالة الطقس، فيتجهون نحو الأماكن ذات المناخ المعتدل هرباً من الحر أو البرد، معتقدين أن الطقس هو العنصر الأساسي لنجاح الرحلة! غير أن السياحة، كما أراها في تصوري، أوسع من أن تُقاس بدرجات الحرارة، إنها تجربة متكاملة للروح والعقل والجسد، تتجاوز المناخ إلى الإحساس الداخلي بالتجدد والانفصال المؤقت عن ضغوط الحياة.
فالسفر ليس مجرد انتقال فيزيائي من مكان إلى آخر، بل هو فرصة لاكتشاف الذات، وتوسيع الأفق، وإعادة ضبط الإيقاع الذهني، الرحلة تعيد ترتيب الزمن، وتجعل اليوم الواحد يحمل لحظات لا تُنسى، فحين تتغير الأصوات، والروائح، والمشاهد، تتغير نظرتنا للعالم كذلك.
وفي بلادنا، باتت السياحة تجربة متكاملة تعكس تنوعاً فريداً في الجغرافيا والثقافة والمناخ، من جبال تبوك وطبرجل في أقصى الشمال، إلى سواحل الشرقية وخليجها المترامي، ومن مرتفعات عسير وسهول الباحة إلى رمال الربع الخالي في نجران والشرقية، يتنقل السائح بين تجارب متباينة تُغني الذاكرة وتُغذي المشاعر.
في تقديري.. السياحة الداخلية تحديداً باتت اليوم خياراً وطنياً مهماً، فهي لا توفر المال فقط، بل تمنح كذلك المواطن وعياً عميقاً بثراء وطنه، وتُعزز ارتباطه بالأرض والمكان. كما تسهم في دعم الاقتصاد المحلي، وتنشيط الخدمات، وخلق فرص عمل جديدة في قطاعات الإيواء والنقل والترفيه، إنها جزء من رؤية المملكة 2030 في تحويل السياحة إلى رافد اقتصادي واستثماري حيوي مهم.
كما أن السياحة تمنح العائلة مساحة للترابط، بعيداً عن روتين الحياة، فكل رحلة تحمل فرصة لحكاية جديدة، وتُعلم الأطفال معنى الاستكشاف، وتمنح الكبار لحظات من التأمل والصفاء الذهني، ومن الجميل أن نكتشف جمال وطننا قبل أن نسافر بعيداً.
في نهاية المطاف، لا يُقاس نجاح الرحلة بدرجة حرارة المكان، بل بمدى الأثر الذي تتركه في القلب، وبالذكريات التي نحملها معنا، السياحة ليست مجرد صور تُلتقط، بل مشاعر تُعاش، وأفكار تُولد، وتجارب تبقى.
هنا.. يجب أن نعيد تعريف مفهوم السياحة لدى الأفراد، وخصوصًا في ظل التحولات الاقتصادية والثقافية التي تشهدها المملكة ولله الحمد، فالسياحة لم تعد رفاهية موسمية، بل أصبحت سلوكًا حضاريًا يُسهم في بناء الإنسان وتنمية المجتمع، ومع تنامي الفعاليات والمهرجانات المحلية، أصبح بالإمكان للسائح أن يعيش تجارب ثقافية وفنية وتراثية غنية في أي وقت من السنة، دون الحاجة لمغادرة الحدود.
ولعل الأهم من ذلك أن نُرسخ لدى الأجيال الجديدة معنى أن تكون سائحًا في وطنك، أن تكتشفه بعين مختلفة، وتعيشه بقلب منفتح، فكل زاوية في هذه البلاد تحمل قصة، وكل مدينة تختزن ذاكرة، وكل موسم يشكل فرصة لعيش تجربة لا تنسى.