جهود حثيثة تبذلها بعض الأطراف السياسية الشيعية لتمرير مشروع قانون الحشد بصياغته الجديدة، بالرغم من التشديد الأميركي على إجهاض القانون وإنهاء وجود الحشد، والسبب يعود إلى الاعتقاد الأميركي القاطع بأن الحشد يمس السيادة العراقية، ويعزز النفوذ الإيراني عسكرياً وتنظيمياً في الداخل العراقي، ويخل بموازين القوى الداخلية المؤلفة من الشيعة والسنة والكرد، في وقت تكرر الحكومة العراقية قولها، إن الحشد الشعبي تشكيل عسكري يتبع للقائد العام.
الجدل حول تشريع القانون يدور منذ أشهر، وقد تأجل طرحه بسبب خلافات بين الأطراف الشيعية على رئاسة الحشد، وإذ تلتزم أحزاب الإطار التنسيقي الشيعي الصمت إزاء الموقف الأميركي الرافض للقانون، فإنها تلقي بالكرة في ملعب رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وملعب مجلس النواب وصقور الشيعة المتحركين في داخله، وبعض التسريبات تشير إلى رفض القانون من أطراف شيعية داخل الإطار التنسيقي نفسه، ما يعني أن مساحة الرفض السياسي للقانون هي الأوسع داخل العراق. لكن لا أحد يجاهر برأيه خشية من ردود الأفعال الإيرانية التي تجد في الحشد الشعبي وفصائله جزءاً مهماً من قوة محور المقاومة التي تقودها إيران ضد إسرائيل وأميركا.
ماذا يحدث في حال أنتجت الضغوط الداخلية اجتماع الأغلبية الشيعية داخل مجلس النواب، ومررت مشروع قانون الحشد، مثلما يصرّ البعض، وبغياب المكون السني والمكون الكردي؟
استناداً لآخر تهديد أميركي، فإن العلاقة الأمنية الثنائية بين أميركا والعراق سوف تتغير! بل وربما يصبح العراق دولة راعية للإرهاب، كما يتردد داخل الأروقة الأميركية، ورفع الحماية الأمنية عن العراق يعني أن الطريق سيفتح لإسرائيل في استهداف ليس مقرات الحشد وحسب، بل مراكز القيادة والاتصال العراقية وجميع القواعد العسكرية والمطارات والبنى التحتية، لأنها تجد في الحشد الشعبي تمثيلاً للوجود الإيراني في العراق وبديلاً عن حزب الله اللبناني في تهديد أمن إسرائيل.
بافتراض حدث الاستنتاج أعلاه، هل تستطيع إيران حماية العراق من الاعتداء الإسرائيلي؟ أم يحدث فيه كما حدث مع حزب الله اللبناني والنظام السوري الذي سقط في غضون أسبوع زمان؟
الشيء الآخر المهم، ماذا يحدث في حال أوقفت أميركا التحويلات المالية لواردات النفط العراقي؟ وأي قرار أميركي باعتبار العراق دولة راعية للإرهاب، فإن ما يترشح عنه تلقائياً فرض الحصار على العراق، أسوة بإيران!
ما ينبغي أن يدركه السياسي والفصائلي العراقي، إن لا وجود لمحاور طائفية أو مذهبية في الشرق الأوسط بعناوين "مقاومة"، بعد فشل هذا المشروع الذي انتهى بنهاية حزب الله وسوريا والحرب على إيران!
الدولة الوطنية، حين تكتفي بحدودها وتنمية قدراتها، بالتعاون مع الولايات المتحدة الأميركية، فرصة ذهبية تتمناها جميع دول المنطقة، بل إيران نفسها قدمت إغراءات باستثمارات ترليونية لأميركا لتحقيق هذا الهدف، هذه الفرصة المثالية متاحة للعراق، لكن لا أحد يفكر باستثمارها على نحو جدي، خصوصاً الأحزاب الشيعية الحاكمة، إذ تعطي الأولوية والأفضلية للفكر العقائدي، فوق الوطني، على حساب مشروع دولة المواطنة والجميع سواسية بلا فوارق طائفية أو دينية.
استمرار حالة الغموض بالموقف العراقي الرسمي والسياسي، سيجعل العراق يُمنى بخسائر كبيرة، ويحشر في خانق سياسي عربي ودولي، وأزمات لا تتوقف عند تصدع السلطة وانهيارها، بل تنتهي لذات المآلات التي تخوض بها سوريا منذ ثمانية أشهر دون وضوح لمستقبل نظامها وصراعاتها الداخلية.