في ظل التمدد اللامحدود للمنصات الرقمية بات الرأي العام معرَّضًا للتوجيه اللحظي والتأثيرات الشعبوية السريعة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بصعود بعض المشاهير إلى طبقات الثراء الفاحش في وقت قياسي، دون رصيد معرفي أو إسهام مجتمعي حقيقي، فإن هذا النمط من «النجومية الرقمية» يطرح إشكالات جوهرية تتعلق بإعادة تعريف مفهوم التأثير وتفكيك العلاقة بين الشهرة والقيمة.
من زاوية أخلاقية لا يمكن إغفال انحدار بعض المضامين المتداولة، والتي تتعارض في كثير من الأحيان مع المعايير المهنية والأعراف المجتمعية، وسط غياب شبه تام للأطر الضابطة أو الميثاق الأخلاقي للمحتوى الرقمي، فنجد أن بعض المنصات تتحول إلى فضاءات لتسويق السطحية أو استغلال العاطفة الجماهيرية بأسلوب يعكس خللاً في هندسة المسؤولية الرقمية وتهديد تكوين الوعي المجتمعي وتقويض سلامته.
السؤال الذي يفترض أن يُطرح بجدية اليوم: من يصنع هؤلاء؟ ولماذا نشهد طوفانًا من النماذج الهشة وغير الطبيعية على هذه المنصات؟ صحيح أن التكنولوجيا سهلت عملية الوصول لكن كذلك الفراغ القانوني على المستويين الإقليمي والدولي قد يساهم بشكل مباشر في اتساع هذه الممارسات التي تشوه الذوق العام وتمثل تهديدًا ناعمًا لصورة المجتمعات العربية وهويتها الثقافية.
في أحد اللقاءات وخلال حوار مفتوح سُئِل أحد الشخصيات المعروفة عن الشخصية المؤثرة في نظره، فأجاب دون تردد: «طبعًا مشاهير السوشال ميديا» كانت هذه الإجابة بحد ذاتها كاشفة لمدى التحول في بوصلة التأثير، وتستدعي التوقف أمامها: فكيف يعقل أن يُختزل التأثير المجتمعي في نماذج رقمية تبني حضورها على استهلاك المتابعين، دون أي استناد إلى محتوى هادف أو تصور معرفي، وبمعزل عن أي تخطيط استراتيجي أو بحث معمق يراعي احتياجات المجتمع ويسهم في تنميته الفكرية والسلوكية؟
ورغم كل هذه التحديات فإن ما يبعث على الطمأنينة أن العديد من الدول العربية بدأت تتدارك خطورة هذا الانفلات الرقمي، وتتحرك نحو تعزيز البنية القانونية والرقابية لمواجهة المحتوى المسيء أو المضلل الذي قد يستخدم كأداة لتشويه الصورة الوطنية أو العبث بالأمن العام واستقرار المجتمع.
فقد أصبحت المنصات الرقمية اليوم تحت المجهر وأن الجهات المختصة في أكثر من دولة عربية تبادر باتخاذ إجراءات صارمة تجاه من يتجاوز الخطوط الحمراء وذلك للحفاظ على الأمن الثقافي والمجتمعي فضلاً عن ترسيخ مكانة الدولة وصون سمعتها ومكانتها على المستويين الإقليمي والدولي، وبلا شك إن هذا الإدراك المؤسسي المتكامل مع وعي جماهيري آخذ في النضج هو ما يصنع اليوم جدار الصد الحقيقي أمام زيف «المؤثرين».