أزمة السلاح في لبنان تجسد ما بات يُرى من ذيول الأحداث الكبرى، وتكشف عمّا تنتهي إليه الحرب والفوضى في أي بلد من بلدان العالم. في الوقت عينه تُنبه إلى ضرورة وأهمية تقوية واستعادة مؤسسات الدولة وبسط سيادتها على أراضيها «وإلا لا توجد دولة» حسب حديث رئيس وزراء لبنان نواف سلام إلى «الشرق الأوسط».
منذ أكثر من ثلاثة عقود يتحدث ساسة لبنان عن وجوب «تسليم ما بيد الميليشيات إلى الدولة» وفق مرجعية «اتفاق الطائف 1989»، وحق الدولة الحصري في امتلاك السلاح؛ ولأن اليمن مُهَدَّد بمصير لبنان من وقت مبكر، كنا نتساءل: تُرى هل سيأتي يوم يتحدث فيه ساسة اليمن عن ذات الحق؟!
مظاهر «اللبننة»، وهي ظاهرة عربية قديمة، تشبهها إلى حدٍّ ما مظاهر «اليمننة» بوصفها ظاهرة عربية متجددة. من نواحٍ عدة تتشابه الملامح، والسلاح أحدها؛ مع مفارقات يمنية خاصة منها أنه سبق للسلطات اليمنية إعلان توافر 60 مليون قطعة سلاح فردي بيد القبائل وبعض المدنيين... وتأملوا ما تنتفخ به الميليشيات اليوم.
بينما يمتنع «حزب الله» عن تسليم سلاحه للجيش اللبناني مهدِّداً بكربلاء جديدة، تسيطر ميليشيا «أنصار الله» - الحوثيين، على سلاح وحدات الجيش اليمني وسط مناطق سيطرتها، وتواصل جر البلاء، وتتسلم بعض الأسلحة المهرَّبة إليها. ومن بعد «الربيع العربي»، كم رأينا من سلاحٍ تأتي به «السفنُ».
«التشابه اللبناني - اليماني» هو في التهاون في العلاج المبكر لأخطاءٍ غدت أخطاراً تؤدي إلى تهاوي البلدين، وفي تعدد القوى وفيدرالية الميليشيات، والتغاضي عن نقض المرجعيات الوطنية والقرارات الدولية، فضلاً عن كل ذلك يتجلى الالتحاق بمحورٍ واحد يوحِّد لسان حال البلدين «الشبيهين»:
«يا نائح الطلح أشباهٌ عوادينا
نأسى لواديك أم نشجى لوادينا
ماذا أقُصُّ عليك غير أن يداً
قصّت جناحيك جالت في حواشينا»
من البدهيّ أن تمتلك السلاح مؤسسات أمنية وعسكرية تتبع دولةً قوية متماسكة وراسخة البنيان لا ينتش أركانها وينهش أعماقها حزبٌ وتنظيمٌ معين مع ميليشيا خارج نطاق الدولة تخالف نص المادة 36 من الدستور اليمني الذي يُفترض الالتزام به، لا مجرد القَسَم باحترامه: «الدولة هي التي تُنشِئ القوات المسلحة والشرطة والأمن وأي قوات أخرى، وهي ملك الشعب كله، ومهمتها حماية الجمهورية وسلامة أراضيها وأمنها، ولا يجوز لأي هيئة أو فرد أو جماعة أو تنظيم أو حزب سياسي إنشاء قوات أو تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية لأي غرض كان وتحت أي مسمى...».
كذلك بنود قانون تنظيم حمل السلاح، بيَّنت الفارق بين ما هو شخصي وبين ما هو للمؤسسات العسكرية والأمنية للدولة؛ إنما «تأتي الحروبُ بما لا يشتهي اليمنُ» وغيره من الأوطان المبتلاة!
إن ما بات يُرى من ذيول الأحداث الكبرى سيبقى هماً مؤرقاً للجميع، ما لم يقطعها ويعالجها وازعٌ وطني داخلي يكف عن التهديد والتذرع بالضغط الخارجي، ويراجع المرجعيات: اتفاقيات، ودستور وقوانين، واتفاقيات سياسية وقرارات دولية، وما تتضمن من حقوقٍ للدولة وواجبات تكفل إنهاء الانقسام، وتحل أي إشكال من دون اندفاع إلى كربلاء جديدة أو جرِّ بلاء على أحد.
إلى الوطن، إلى الدستور والقوانين النافذة، وإلى الاتفاق... ارجعوا «فما أحلى الرجوع إليهِ».