سلطان ابراهيم الخلف
عندما غزت القوات الروسية أراضي أوكرانيا، وقف الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة إلى جانب أوكرانيا، ودعم الجيش الأوكراني بما يحتاجه من أسلحة وذخيرة لصد العدوان الروسي. وتعهّد الرئيس السابق بايدن، بهزيمة روسيا، وتم فرض عقوبات اقتصادية شديدة على روسيا. وعند مجيء ترامب، كرئيس لأميركا، تغيرت السياسة الأميركية تجاه روسيا رأساً على عقب، حيث تعهّد ترامب بعقد اتفاقية سلام مع روسيا بشكل إنفرادي تنهي الحرب الأوكرانية، دون مشاركة الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي أثار غضب الأوروبيين، المعنيين بالدرجة الأولى في هذه الأزمة، والتي تشكل تهديداً لأمنهم الأوروبي، ما يعني أن الأوروبيين عليهم الاعتماد على أنفسهم في مواجهة روسيا دون الحاجة إلى حليفهم الأميركي، الذي تخلى عنهم، وتراجع عن دعم أوكرانيا.
ورغم هذا الخلاف العميق بين الأوروبيين والأميركان حول كيفية علاج أزمة الحرب الأوكرانية، إلاّ أنهما يتفقان بلا حدود على دعم الكيان الصهيوني في حرب الإبادة التي يشنها على سكان غزة المحاصرين، ودعم اعتداءاته العسكرية على الدول العربية. لعل هذا التقلب الخطير في السياسة الأميركية، يكون درساً للعرب في عدم أخذ ادعاءات أميركا في دعم السلام في منطقتنا العربية مأخذ الجد، أو اعتبارها حليف يمكن الاعتماد عليه.
وما نشاهده على الساحة من عربدة الصهاينة في المنطقة، يثبت خلاف تلك الإدعاءات، حيث لاتزال الأسلحة تتدفق إلى الصهاينة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها ألمانيا، رغم اتفاق سلام ترامب، الحالي وهو بحد ذاته شكلي لا قيمة فعلية له، وكأن بلاد العرب ميدان اختبار للأسلحة الأوروبية والأميركية الفتاكة، والحديثة التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في قتل فلسطينيي غزة.
ظروف تحقيق الأمن العربي اليوم ورفض التطبيع، مناسبة أكثر من أي وقت مضى، في مواجهة عربدة الكيان الصهيوني، بعد أن كشف الغطاء عن حقيقته أمام العالم بشكل واضح، ككيان لا يؤمن بالتعايش السلمي، وكرمز للهمجيّة يعتمد الإبادة والتهجير، دون أي اعتبار للقوانين الدولية والقضاء الدولي، مع الأخذ في الاعتبار أن المواقف الشعبية للأوروبيين والأميركيين، قد تحولّت بشكل كبير، وصارت معادية للكيان الصهيوني، وتطالب بوقف جرائمه، وقطع المساعدات عنه، وفرض عقوبات رادعة عليه، وحماية الفلسطينيين من بطشه، وتطالب بإقامة الدولة الفلسطينية.
كما صار الأوروبي والأميركي ينظر إلى الصهاينة كمجموعة إثنية مريضة خطيرة، تعيش في أوهام وخرافات دينية، تأنس بسفك الدماء، وترى ذلك أمراً عادياً، ولعل ذلك ما شجّع زهران ممداني، المرشح الفائز بمنصب عمدة مدينة نيويورك على التصريح بحرية ودون خوف، بأنه سيقوم بتنفيذ مذكرة محكمة جرائم الحرب الدولية بالقبض على نتنياهو، كمجرم حرب إن هو زار المدينة.
الكيان الصهيوني اليوم غير الكيان الصهيوني بالأمس، وقد عبّر عن ذلك الرئيس ترامب، حيث اعتبر أن الوقوف إلى جانب الكيان الصهيوني اليوم قد يكلّف السياسي خسران مستقبله السياسي.

