محمد حسن الحربي
(ازداد هطول المطر سخاء، فأخذ الناس المارون على الأرصفة، يبحثون عن مكان يقيهم زخات المطر التي بدأت تشتد، فاتجه أحدهم إلى مظلة الانتظار الصغيرة على الرصيف القريب من مطعم (راوي)، التي وضعتها هيئة الطرق في دبي لتكون بجوار موقف الحافلات.
فما لبث أن لحق به بكر ثم تبعه جمعة وعبيد، ولم يتأخر قاسم ومظفر في الهروب من المطر صوبها، وما هي سوى لحظات حتى لحقت بهم مجموعة من الفلبينيين والهنود والباكستانيين والأفارقة والعرب، بينهم جنسيات أخرى مختلفة.
دُهش الجميع مما حدث، فعلى الرغم من صغر تلك المظلة، إلا أنها احتضنتهم جميعاً دون عناء. لم يشعر أي منهم بضيق المساحة، أو بالتنافر أو بالانزعاج أو القلق، لقد ضمتهم كلهم دون استثناء). ص 101 - من رواية (المظلة) للكاتبة الإماراتية شيخة الاحبابي.
يعكس النص مشهداً من الحياة اليومية في مدينة دبي، استخدمت الكاتبة فيه وصف المطر والشارع والمارة لإبراز تفاعل الناس، لا مع ظروف الطبيعة واللجوء إلى مظلات خصصتها هيئة الطرق والمواصلات للانتظار عند مواقف الحافلات، إنما هو وصف للعلاقات الإنسانية وأجواء المدينة، ومعاني التعايش ضمن البيئة الإماراتية، فمشهد الالتجاء عند المطر إلى مظلة الانتظار الواقية، يبرز البعد الإنساني الجمعي في الرواية، حيث يجتمع أشخاص تحت ملجأ واحد بحثاً عن الأمان والاحتماء، لا من المطر فقط، بل أبعد من ذلك، فروح التآزر يحمل الرمز هنا شيوعها عملياً بين الأفراد المحليين، وهذا التنوع البشري، بصفته عامل ثراء لا عاملاً آخر غيره، يدركه من عايش تجربة التنوع الثقافي والمجتمعي في الإمارات، فمشهد الالتجاء الجماعي إلى المظلة اتقاء المطر في الرواية، فكرة قوية، ترمز إلى وطن جامع، تؤشر عنه ببلاغة روح التعايش في المجتمع.
ينطق النص مجازاً بأن حجم الحماية والأمان أكبر من مساحة مظلة الحافلات. ليكون السؤال لا كيف تحولت المظلة لملجأ، إنما كيف أصبحت الإمارات وطناً باذخاً جامعاً لملايين البشر؟ هي مساحة للتذكر.

