نادية عبدالرزاق
في عصر باتت فيه التكنولوجيا والرقمنة تغزو مختلف جوانب الحياة، أصبحت التساؤلات حول مستقبل الكتاب الورقي، هل سيبقى الكتاب الورقي موجوداً في ظل سيطرة الكتب الإلكترونية والمحتويات الرقمية؟ وهل يمكن للكتاب الورقي أن يحافظ على مكانته التقليدية أمام التحولات السريعة نحو العالم الرقمي؟
الكتاب الورقي ليس وسيلة لنقل المعرفة فقط، فهو يوفر تجربة حسية تعزز من ارتباط القارئ بالنص، عندما يمسك القارئ بكتاب ورقي، يتفاعل مع ملمس الورق، وهي تجربة قد تفتقر إليها القراءة الرقمية، هذا البعد الحسي يفسر لماذا لا يزال الكثيرون يفضلون الكتب الورقية على الكتب الإلكترونية، رغم أن الأخيرة توفر سهولة الوصول والمرونة في حمل مئات الكتب في جهاز واحد.
يعد الكتاب بمختلف أشكاله عصارة جهد فكري لأقلام نهمت من العلم والمعرفة والتجارب، ما مكنها من تزويد القارئ بما يطور ذاته ويبني شخصيته وسط عالم مليء بالمتغيرات المتسارعة، وقد شهد شكل الكتاب تطوراً عبر العصور نتيجة سلسلة من الإنجازات المستمرة والابتكارات التي أتقنها الإنسان في بحثه الدائم عن مصادر تحضره، حيث يعتبر الكتاب وعاء للمعلومات التي يؤرخ لمجد الكتابة في مختلف أشكالها التي نقلت البشرية من عصور الشفاهية إلى عصر الكتابة وتفريعاتها المختلفة، وصولاً للكتابة الرقمية.
ظهر الكتاب الرقمي كنتيجة للطفرة التكنولوجية المذهلة التي شملت جميع الميادين، حيث غَيّرت التكنولوجيا كثيراً من ملامح حياتنا وعاداتنا وتغيرت معها نظرتنا للأشياء وطريقة تعاملنا معها، وامتدت التقنية إلى عالم النشر والكتب باستخدام وسائل جديدة للقراءة تعيد تشكيل علاقة القارئ بالكتاب، ومع التحول الرقمي الذي شهده العالم أصبحت أجهزة القراءة إلكترونية وحتى الهاتف الذكي وَفَر على الطلبة الوصول الفوري للعديد من المعلومات واسترجاعها وتبادل الملفات، وأصبح السائد والمألوف هو الكتاب الإلكتروني الذي يخترق الحدود ويقرأه الناس أضعاف ما يقرؤون النسخة الورقية بسبب سهولة النشر الإلكتروني، كما يمكن إتاحة قراءته بصور شتى لتناسب مختلف أنواع القراءة كفاقدي البصر وكبار السن، كما يمكن لمتصفحي الكتاب الإلكتروني أن يبحثوا في كل أجزاء النص بكلمة أو معلومة، ويمكن دعمه بوسائل ووسائط أخرى كثيرة منها الصوت والصور الساكنة والمتحركة، علاوة على تخفيض الزمن المستغرق في النشر وكذلك التكلفة.
ورغم التطور الهائل للرقمنة إلا أن المطالعة من خلال تصفح الكتاب الورقي التقليدي لا يزال لها سحرها الخاص وتحتفظ بنكهتها الأصلية في وجدان القارئ، حيث يتميز الكتاب الورقي بأنه مصنوع من الورق الذي يجعل القارئ أكثر تفاعلاً مع الكتاب ورغبة القراء في الابتعاد عن كل ما يشتت انتباههم عن القراءة، إذ إن الأجهزة الذكية تشتت الانتباه بسبب كثرة تنبيهات التطبيقات، كما يوفر الكتاب الورقي قراءة مريحة تقضي بشكل كبير على مشكلات سطوع الشاشة وتأثيرها السلبي على العين.
إن رؤية رف في مكتبة شخصية مليء بالكتب الورقية، كل منها يحمل علامات الزمن وقراءات الماضي، كل كتاب هو كنز في حد ذاته، حيث يعد جمع الكتب شغفاً وإعلاناً عن حبنا للقراءة، ورغم مميزات الكتاب الورقي إلا أنه لا يخلو من بعض السلبيات كغلاء الأسعار، وصعوبة حمل الكتب، خاصة عندما يتعلق الأمر بمجموعة كبيرة، فضلاً عن صعوبة إيجاد بعض الكتب النادرة وإمكانية تعرض الكتاب الورقي للتمزق أو للتلف مع مرور الزمن.
ورغم الثورة التكنولوجية وانتشار الكتب الإلكترونية والمنصات الرقمية وإمكانية البحث الفوري، واعتباره الخيار المفضل لجيل السرعة والمعلومات اللحظية، إلا أن الكتاب الورقي يظل دوماً هو الرفيق والصديق لكل باحث عن المعرفة، ورمزاً للأصالة والمعرفة العميقة، وإن تواجد أمامه من المساحة الافتراضية الشيء الكثير، إلا أنه سيبقى دوماً موجوداً، وإن الحديث عن زواله أو استبداله كلياً بالكتاب الإلكتروني أمر صعب للغاية. سيبقى الكتاب الورقي صامداً؛ لأنه ليس مجرد وسيلة قراءة، بل تجربة وجدانية وحضارية تعكس علاقة الإنسان بالمعرفة عبر العصور. لذلك، ربما لا يكون الصراع بين الورقي والرقمي، بل التكامل بينهما هو المستقبل الحقيقي للقراءة.

