: آخر تحديث

تاريخ يصنع المستقبل

1
1
1

في حديث ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- أمام صُنّاع القرار في واشنطن، برزت عبارة لم تكن مجرد إشارة زمنية، بل كانت بمثابة معادلة سياسية مكتملة العناصر: الولايات المتحدة تقترب من الاحتفال بمرور 250 عاما على تأسيسها، وتستعد المملكة بعد عامين للاحتفال بمرور 300 عام على تأسيس الدولة السعودية، لم يكن ذلك ربطاً تاريخياً فحسب، بل صياغة دقيقة لهوية دولة تعرف أين تقف، وإلى أين تسير، وما الوزن الحقيقي الذي تمثله في العالم.

فالإشارة إلى ثلاثة قرون من الجذور السياسية ليست مجرد استدعاء للماضي، بل تقديم للمملكة بصورتها الحقيقية: دولة رسخت استقرارها عبر الزمن، وبنت نموذجاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً حافظ على وحدتها وهويتها. وفي الوقت نفسه، تُقدّم المملكة تاريخها كمنصة انطلاق، فـرؤية السعودية 2030 تمثل تحولاً نوعياً، في الاقتصاد وطبيعة الدولة وأدوات تأثيرها، وفي قدرتها على إعادة تعريف موقعها في النظام الدولي.

وفي واشنطن، لم تمر تلك المقارنة دون أن تُقرأ بعمق. فقد وضعت العلاقة بين الرياض وواشنطن داخل سياق حضاري متوازن، بعيد عن منطق العلاقات المؤقتة. فما ظهر للعالم هو شراكة بين دولتين تمتلكان تقاليد راسخة في بناء الدولة، ووعياً متقدماً بمتطلبات المستقبل، إنها رسالة تؤكد أن السعودية دولة مستقلة في رؤيتها، وواثقة في مشروعها السياسي والاقتصادي.

والأكثر دلالة، أن المملكة تدرك أن السنوات المقبلة ليست امتداداً تلقائياً للتاريخ، بل هو فصل جديد يعاد بناؤه وفق إرادة سعودية واعية. فالتحولات الاقتصادية المتسارعة، والتحاق المملكة بمسارات التقنية المتقدمة، وصعودها كقوة استثمارية عالمية، ليست عناوين تنموية فقط، بل ركائز قوة تعيد صياغة التوازنات الدولية، وانتقالها من كونها طرفاً مؤثراً في المعادلات إلى كونها أحد صانعيها.

إن المقاربة التي قدّمها ولي العهد تعد بمثابة إعادة تعريف للصورة الذهنية للمملكة في مراكز القرار في واشنطن. فالسعودية دولة تمتلك ثلاثة قرون من الثبات السياسي، لكنها تتحرك بأدوات القرن الحادي والعشرين، وتبني اقتصاداً متنوعاً، وتوظف مواردها وموقعها ورؤيتها لتصبح قوة مركزية في شبكة العلاقات الدولية.

وعليه، فإن دلالة الثلاث مئة عام تتجاوز كونها تاريخاً يحتفى به. إنها تأكيد على معادلة سعودية جديدة: حاضر يقوم على جذور راسخة، ومستقبل تُصاغ ملامحه من خلال طموح لا يعرف الحدود. وفي هذه اللحظة الفارقة، تبدو المملكة أمام العالم دولة قادرة على أن تكون امتداداً لعراقتها، وفي الوقت ذاته منطلقاً لصناعة مرحلة دولية جديدة تتشكل ملامحها من الرياض بالتحالف مع شركائها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد