الزيادة الكبيرة في أعداد السيارات، وفتح الباب أمام الزيارات، وكل هذا التشعب في الطرقات تتطلب بالفعل تفرغا، واستقلالية للعاملين في المرور، والتخلي عن وضع رجل أمن مسؤولاً عن المرور، كل خبرته تتلخص في خدمة طويلة في الوزارة وحمله لرتبة عميد أو لواء، مع الاحترام التام للجميع. فإدارة المرور تتطلب بالفعل خبرات خاصة، تبقى فيها ولا تتسرب لإدارات اخرى في الداخلية، كما هو حاصل الآن.
ترجع أسباب كون الجهات المشرفة على المرور، في العديد من الدول المتقدمة، جهات مدنية غالبا، ومستقلة بذاتها، وليست جزءاً من وزارة الداخلية، إلى عوامل عدة هيكلية وفلسفية وعملية:
مهام المرور تتمحور حول تنظيم حركة السير، سلامة الطرق، تنفيذ القوانين المدنية المتعلقة بالمركبات والسائقين، وتقديم خدمات مباشرة للمجتمع، مثل إصدار رخص القيادة ولوحات المركبات، بمختلف أنواعها، وتنظيم حركة السير، وتقليل الاختناقات، وتقليل نسبة الحوادث، وهذه جميعها أمور خدمية وإدارية أكثر منها أمنية. لذا نجد أن الدول الحديثة تميل لفصل المهام العسكرية والأمنية (الدفاع، مكافحة الجريمة المنظمة، الأمن القومي) عن المهام المدنية، مثل الصحة والتعليم والنقل وغيرها.
كما أن اعتبار المرور جهة مدنية يجنبه طابع القسوة والانضباط العسكري ويمنحه مرونة في التعاون والانخراط مع المجتمع، ويحد من عسكرة الحياة اليومية. وتدار إدارات المرور في الدول المتقدمة على أسس علمية وإدارية حديثة، مثل التحليل المروري، الإدارة الذكية، وأنظمة اتخاذ القرارات، واستخدام الذكاء الاصطناعي في ضبط الحركة، وهذه جميعها لا تتم على أسس الضبط العسكري الصارم.
كما أن إعطاءها الاستقلالية الإدارية يجعلها أكثر قدرة على التعاون مع القطاع الخاص، كالبلديات، مراكز الأبحاث، وشركات النقل الذكي، مع خضوعها لمستوى مرتفع من الشفافية والمحاسبة البرلمانية أو البلدية، ما يعزز الثقة الاجتماعية ويقلل فرص الفساد أو الاستغلال.
كما أثبتت تجارب الدول المتقدمة لحقيقة أن إدخال الطابع العسكري في إدارات المرور يؤدي في الغالب إلى تراجع في مستوى الخدمة، وبالتالي تراجع الفاعلية والقبول المجتمعي.
لا ننسَ، في هذه العجالة، الإشادة بدور نائب رئيس الوزراء، وزير الداخلية، في المساهمة بتغليظ العقوبات على مرتكبي مخالفات المرور، خاصة الجسيمة منها. ورأينا كيف تم كبس مركبات بعض المخالفين، وكانت اصلاً متهالكة، وكيف هلل البعض لهذا الأمر، فالسيارة تبقى ثروة دُفع ثمنها، ومن الأفضل مصادرتها، وبيعها لحساب الدولة، وكبسها، وهذا لا يفيد أي طرف.
أحمد الصراف

