: آخر تحديث

لماذا نصبح أغبى مع بعض الناس؟!

2
2
2

محمد ناصر العطوان

مرحباً بك عزيزي القارئ في قسم حماية العقول، باب التلوث الإدراكي، وسؤال لماذا تتحول إلى نسخة أغبى مع بعض الناس؟!

في البداية أنت إنسان عاقل، تفكر، تتخذ قرارات، وتتحدّث بطلاقة... لكن فجأة تدخل على شخص معين، فتتحول لـ«أبله»! تنسى كلمات بسيطة، تفكيرك يُصبح بطيئاً، حتى صوتك يختلف! هذا ليس عيباً فيك... هذا تلوث إدراكي!

بعض الباحثين الشطار من جامعة برينستون، اكتشفوا هذه الظاهرة، وهي أن العقل يتأثر بالبيئة الاجتماعية مثل الهواء والماء... وكما أن هناك تلوثاً بيئياً، فهناك أيضاً تلوث إدراكي!

ربما يتساءل أحد القراء كيف يحدث التلوث الإدراكي ومن هم الأشخاص المسبّبون له؟ هذا سؤال جيد... أشكرك لأنك طرحته، في الواقع أن في البحر قواقع، فعندما تكون حول أشخاص يرسلون إشارات سلبية (حتى من دون قصد) فإن الدماغ يرفع حال التأهب والمراقبة الذاتية، فتكون النتيجة طاقة ذهنية تهدر في المراقبة بدل التفكير! والخوف من النقد أو الاستدراك على كلامك وطريقتك وأسلوبك... وكل ذلك يجعلك تبدو أغبى.

دعني أوضح لك ما الذي يحدث... إن «منطقة المراقبة الذاتية» في الدماغ تنشط مع هؤلاء الأشخاص السلبيين، فتتحول أنت من إنسان مشغول بـ«كيف أظهر؟» بدلاً من إنسان مشغول بالتفكير في ما «الذي ينبغي أن أقوله؟» مثل أن تكون مشغولاً بشكل أسنانك وأنت تتحدّث بدلاً من الكلام نفسه!

وهذا عزيزي القارئ استنزاف للطاقة الذهنية، لأن الدماغ يستهلك 30 % من طاقته في المراقبة، ويتبقى 70 % فقط للتفكير الفعلي، لذلك فإن هذا «الذكاء المنخفض الموقت» لا يعني أنك أصبحت أغبى ولكن إمكاناتك غير قادرة على الظهور في هذا الجو السلبي.

إذا كنت تجلس في ديوانية، أو مع زملاء عمل أو حتى في بيتك مع زوجتك، وبدأت تتلعثم في الكلام وتنسى مصطلحات بسيطة، مع تباطؤ في التفكير وردودك أبطأ من المعتاد، وقراراتك غير حاسمة، مع نسيان موقت وأفكار كانت واضحة... تختفي فجأة وتركيزك يتشتت بسهولة وصوتك يصبح منخفضاً ونظراتك تتجنب التواصل المباشر...اهرب فوراً... أنت في بيئة سلبية.

عزيزي القارئ المسكين يا من تعيش مع مجموعة من السلبيين.. إنّ الجسم يتفاعل مع الروائح الكريهة قبل أن يعرف مصدرها! وكذلك الدماغ يتفاعل مع الإشارات الدقيقة قبل وعيك بها! مثل الإشارات الدقيقة التي تسبب التلوث الإدراكي والتي تكون عبارة عن نظرات الاستصغار (حتى لو كانت بلا شعور) ونبرة الصوت المتعالية ولغة الجسد المغلقة والمقاطعة المتكررة... وأذكر أنني كنت أتحول إلى إنسان غبي كلما قابلت أحد المسؤولين، وكنت أتساءل لماذا يحدث معي هذا كلما قابلته؟ في الحقيقة أنا لم أعرف الإجابة إلا عندما لاحظت نفسي عندما أكون مع الأشخاص المنشطين ذهنياً، أولئك الأشخاص الذين يجعلون منك أفضل نسخة من نفسك... فعندما كنت أجلس مع مسؤول المسؤول «الشخص الأعلى منصباً» كان شخصاً يستمع أكثر مما يتكلم، ويقدر آراء الآخرين، ويشجع من دون مبالغة، ويوفر جواً آمناً للتعبير... وكنت ألاحظ أن ثقتي في نفسي تزيد، وأفكاري أكثر وضوحاً، وكلامي أبلغ، وإبداعي أعلى... فكنت أشعر أني أذكى عشر مرات مع جلوسي مع المسؤول الأدنى.

إنّ هذه التجربة جعلتني أتساءل، كيف أحمي نفسي من التلوث الإدراكي؟

في البداية يجب عزيزي القارئ أن تعرف ملوثاتك، وتسأل نفسك من هم الأشخاص الذين أشعر معهم بهذا الشعور؟ ثم راقب أداءك العقلي مع كل شخص.

من المهم أن تجعل علاقاتك مع الملوثين في أضيق الحدود، واختر بيئات العمل والاجتماعات المناسبة.

أما عندما تجد نفسك- لا قدّر الله- مع المسؤول نفسه الذي حدثتك عنه في الأعلى، فذكّر نفسك بأن التغير ولحظة الغباء موقتة وليست حقيقية.

أما نصيحتي الذهبية لك فهي تطبيق المقولة الحكيمة «مَن جاور السعيد يسعد»، وذلك عبر خلق بيئات آمنة تبحث فيها عن الأشخاص المنشطين.

خلاصة القصة أن عقلك يستحق بيئة نظيفة، وأن التلوث الإدراكي حقيقي وخطير، وأنت لست المشكلة... البيئة هي المشكلة، ومن حقك أن تختار المحيط الذي يجعلك أفضل نسخة من نفسك... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر، وكل ما لا يُراد به وجه الله... يضمحل.

والآن شاركونا تجاربكم:

- مع مَن تشعرون بأنكم أفضل نسخة من أنفسكم؟ وما هو أكثر موقف شعرتم فيه بالتلوث الإدراكي؟ وكيف نجحتم في التغلب على الموضوع؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد