: آخر تحديث

الحرب ليست «مناورة سياسية»

2
2
2

عبدالعزيز سلطان المعمري

من خلال تصريحاته، يبدو أن الجيش السوداني بقيادة عبدالفتاح البرهان، ما زال يرى السودان «بخير»، وأن الحرب التي التهمت المدن والقرى وأهلكت الإنسان ودمرت البلد وعطلت وظائف الدولة، يراها «واجب وطني».

فماذا يُسمّى الواقع الحالي؟ وما توصيفه لنزوح وتهجير الملايين؟ هل كل هذا مجرد تفاصيل لا تستحق النظر؟ أم أن المأساة بالنسبة له فقدان السلطة، ولماذا يرى أن الكارثة الحقيقية هي أن يطلب منه وقف الحرب؟

المفارقة أن البرهان يتوهّم أنه يلقي «خطاب سيادة»، بينما خطابه لا يتجاوز أن يكون خطاب شخص يخشى أن يخسر السلطة، أكثر مما يخشى أن يخسر البلد استقراره ومستقبله، وإلا كيف يُمكننا فهم أن وقف إطلاق النار بالنسبة له «استسلام».

إن أسوأ ما في تصريحات الجيش السوداني ليس رفضه للسلام، بل قناعته بأن الحل يجب أن يُصاغ بالطريقة التي يريدها هو وحده، وكأنّ السودان أزمة تخضع لمزاجه، لا وطناً يتداعى أمام أعين العالم.

الحكومة المدنية ليست «رفاهية سياسية»، كما يظن البعض، ولا «هدية خارجية» كما يظن المتوهمون، بل هي الصيغة الوحيدة التي أنقذت دولاً كثيرة خرجت من حروب أهلية وانقلابات، السودان اليوم بحاجة إلى حكومة مدنية، من دون وصاية خارجية، ومن دون تدخلات.

الواقع يقول إن الأسوأ في السودان هو استمرار الحرب رغم النداءات الدولية لوقف اطلاق النار، فيما يواصل جنرالات الحرب، تبرير حربٍ بلا نهاية، و«انتصارٍ» لا يراه أحد إلا في بياناتهم العسكرية.

السودان يقف على مفترق طرق لا خيارات كثيرة فيه: إمّا حكومة مدنية كاملة السيادة، مستقلة القرار، تبعد البلاد عن شهية الجنرالات للسلطة، وعن النفوذ الخارجي، وتعيد بناء الدولة على أسس القانون والمؤسسات، وإما استمرار الحرب حتى تنهار الدولة.

وإذا كان البرهان يبحث عن «مجد» شخصي، فلن يجده في معارك تمد في عمر الأزمة، ولا تقرب البلاد من السلام، مجده الحقيقي، إن أراد، يبدأ في اللحظة التي يقرر فيها أن السلام حل ضروري لوقف النزيف السوداني، وأن مستقبل السودان هو الأهم، وأن الدولة أثمن من السلطة والطموحات الشخصية.

لكن المشكلة الأكبر، أن البرهان ما زال يظن أن الزمن يعمل لصالحه، وأن المجتمع الدولي سيمل وينسى الأزمة السودانية، وأن السودانيين سيعتادون الموت، كما اعتادوا على الوعود، هذه القراءة غير واقعية، وليست خطأ سياسياً فقط، بل هي خطأ أخلاقي، لأن القائد الذي يرى الدولة تتفكك ثم يختار الاستمرار، ليس قائداً، بل طرف وسبب في الأزمة نفسها، وربما يعتبر هو الأكثر مسؤولية، بل المسؤول الأول.

فالحرب ليست «مناورة سياسية» أو مرحلة «ترفيهية»، بل هي كارثة تقاس بخسائر الأرواح، وتدمير الممتلكات والبنى التحتية، ولا تقاس بحجم السلطة واتساع النفوذ الذي يحتفظ به جنرال.

لذلك، فإن المستقبل الوحيد الممكن والأفضل، هو أن يخرج السودان من دائرة حكم الجنرالات نهائياً، وأن يعود إلى صيغة الحكم المدني التي أثبتت نجاعتها في كل الدول التي بأزمات مشابهة لوضع السودان، ونجت وتجاوزت أزمتها، وبنَت دولة مدنية، مستقلة الإرادة، تُبنى فيها السلطة بالدستور والقوانين، عندها فقط يمكن للسودان أن يكتب فصلاً جديداً، يبدأ فيه مستقبل ورؤية يستحقها الشعب السوداني الطيب.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد