هل لديك مانع من موضوع فيه شيء من الصداع؟ لكنك أعدل من أن تعالجه بطبيب كسيف عنترة في الهيجاء. أراك ضحكتَ حتى بدت نواجذك، فلم يعد في العالم العربي شيء يعالج بسيف الإسكندر، كل القضايا باتت معلّقاتٍ لأجَلٍ غير مسمّى، معتّقاتٍ في دهاليز النسيان. خذ نفَساً يغنيك عن السيوف القواطع إن جُرّدت، مع حسام اللحظ القاطع في غمده.لا توحش النفس، فالسؤال لم يكن يوماً مستعجلاً منذ عشرات السنين، بل إن المثقفين العرب قد لا يرونه من الفوريات: كيف السبيل إلى مواجهة التصحّر الثقافي؟ هل سبق للأوساط الثقافية أن وضعت خططاً، للتصدي للانهيارات الثقافية؟ هل لعاقل ألّا يُصعق عند مقارنة الساحة الثقافية، في كل البلاد العربية، بين العقدين الثاني والخامس، من القرن الماضي، بنظيرتها اليوم؟ ليس عسيراً أن نرسم قائمتين متقابلتين، إحداهما لخمسمئة من صفوة أهل الفكر والفن وسائر مكوّنات الثقافة، مشرقاً ومغرباً، بين 1920 و1950، والأخرى لخمسمئة من نظرائهم من 1995 إلى يومنا. إذا كانت النتيجة تعادلاً من دون أهداف، فالعذر عند كرام الناس مقبول.صحيح أن الثقافة العربية لم تتخذ طابعاً استراتيجيّاً يشمل منظومة مكوّناتها، فقد كان ارتداؤها هذا الثوبَ، يعني أنها لسان حزب معيّن، أو تيار سياسي بعينه، أو إيديولوجيا محليّة أو مستوردة، كالماركسية. الثقافة العربية الاستراتيجية التي هي محط النظر، إنما تتمثل في ترسانة القيم التي تشكل جهاز مناعة ضد تداعي أحجار الدومينو، وما يجرّ من تداعيات. النخب المثقفة تعلم علم اليقين، عندما يغدو العِلْم لا يجدي نفعاً، أن الثقافة العربية تعني حاضراً له امتدادات جذورية في الزمان والمكان، فنجوم الهوية يدركون ما معنى دكّ معالم العصرين الأموي والعباسي، في سوريا والعراق. يعرفون ما تبطنه المعاول حين تهدم الجسر الوجودي بين العالم العربي والحضارة الإسلامية. وهل يصدّق عاقل أو متعاقل أن مصابيح ثقافتنا وشخصيتنا، لا ترى دوابّ الأرض، الأرضات، التي تجزّئ الأجزاء، وتفتّت الفتات، ليستقرّ في النفوس أن الخريطة لعبة «بازل» لإثنيات وأعراق ولغات وأديان ومذاهب، تحتاج إلى حماية أجنبيّة، تهبّ لنجدتها، باحتضان بَجْدَتها، ما يوجب قطع الحبل السُّرّي، بمخطط سِرّي. لكن الانعتاق من هذه المخمصة هيّن، بذريعة أن التصحّر ليس مسؤولية أحد، إذ لم يأمر المثقفون بأن يتوارى الأساطين الأوّلون، وأن ترثهم أساطير الآخرين.لزوم ما يلزم: النتيجة العقلانية: لكي تتضح هذه الأمور، لدى الأجيال المقبلة، يلوح الحلّ في تدريس الجغرافيا السياسية منذ الحضانة.
قضايا مصيريّة في ثقافتنا
مواضيع ذات صلة