: آخر تحديث

كتب للقراءة وأخرى للنسيان

4
4
4

كثُرت في العقود الثلاثة الماضية كتب التاريخ الثقافي والطبيعي والانثروبولوجي للكثير من الظواهر الطبيعية والاجتماعية، مثل تاريخ الدموع أو تاريخ الجوع وتاريخ الحب وتاريخ الكذب وهناك من وضع تاريخاً للبحر وتاريخاً للرياح وقرأنا كتباً تؤرخ للأبواب والأسوار والجسور والقلاع، ومن أسوأ هذه التواريخ «تاريخ التعذيب» للباحث بيرنهاردت.ج. هروو ونقله إلى العربية قبل أكثر من ثلاثين عاماً ممدوح عدوان، ولا يدري القارئ كيف استطاع شاعر في مثل حساسية وشفافية عدوان أن يضبط روحه وأعصابه وهو يترجم هذا الكتاب المرع، والذي يُصَدِّر رعبه، بالتالي، إلى القارئ الذي ربما يتقمَّص دورَ ضحية من ضحايا التعذيب أو أنه -أي القارئ- صفحة من صفحات الكتاب ولكن لأن الكتب كتبت من أجل قراءتها، فلا بأس أن نقرأ هذا الكتاب ولو على مضض.قرابة عام 31 ميلادية اكتشف الإمبراطور الروماني طيباريوس مؤامرة لقتله هو وعائلته يدبِّرها أحد وزرائه واسمه سيجانوس مع شركاء آخرين تم القبض عليهم وأخضعوا للتعذيب حتى الموت وإليك هنا جانباً من إحدى حفلات التعذيب تلك التي أشرف عليها الإمبراطور طيباريوس شخصياً.«فيما كان التعذيب قائماً جاء صديق قديم من خارج البلاد في زيارة بناءً على دعوة خاصة وكان الإمبراطور السادي طيباريوس غارقاً في تعذيب أعدائه ومأخوذاً بذلك إلى درجة أنه وهو في حالة من غياب العقل أمر بأن يمدد مرافقه القديم على المخلعة وحين عرف الإمبراطور بخطئه أمر بقتل الرجل المسكين فوراً لكي يُخرِس أي تذمّر محتمل وللتخلّص من أية سمعة غير حميدة».كان طيباريوس مغرماً بمشاهدة أعدائه وهم يتعذبون حتى إنه كثيراً ما كان يشرف على عمليات التعذيب بنفسه، الغريب أن ذلك الإمبراطور الذي كان يشعر بلذة عارمة وهو يشاهد ويتابع ضحاياه المعذبين كان يختار أماكن جميلة في إمبراطوريته ليجري فيها التعذيب، «كانت جزيرة كابري مكانه المفضل لممارسة التعذيب، كان الطقس رائعاً والمناظر ساحرة، إضافة إلى أن المنحدرات الصخرية كانت مكاناً ملائماً لقذف الأجساد منها.. حيث كانت الأجساد تُقذف إلى البحر من منطقة مهجورة».كانت حفلات التعذيب من هذا النوع وغيره تجري عادة حول موائد العشاء والناس يتناولون الطعام بكل بساطة وكان منظر الدم وأصوات صراخ ضحايا التعذيب تبعث على النشوة واللذة عند الإمبراطور وحاشيته وهم على العشاء.أبدع الرومان القدماء والإغريق وغيرهم من الأمم القديمة، في الشعر والنحت والفلسفة، كما أبدعوا أيضاً في فن التعذيب وربما كانوا يعتبرون هذا الفن شكلاً من أشكال الثقافة، لكنها، بالتأكيد ثقافة سوداء ولم يبق منها الآن سوى هذا التاريخ الذي لا يفتخر به أحد.هناك كتب كثيرة للقراءة، وأخرى أكثر للنسيان.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد