: آخر تحديث

الممر...

6
6
6

جابر الهاجري

نسمات عصرية في يوم معتدل البرودة، خطوات باتجاه الشارع الرئيسي المزدحم، خروجاً من المدينة القديمة بل القديمة جداً، كقدم الإمبراطورية المغربية تلك التي كانت تحدها فرنسا شمالاً وأعماق أفريقيا جنوباً.

ما بين الحاضر والماضي، ما بين الحداثة والأصالة، تتثاقل الخطوات في ذلك الممر الواسع على ضفة الطريق المؤدي لمراكش القديمة، والعكس باتجاه مراكش الحديثة حيث شارع محمد الخامس، الذي يضج بالمحلات والبنوك والمولات والقيصريات، ويضج بشتى أجناس وجنسيات البشر...

خطوات ترافقها أفكار تدق في ذاكرة مزدحمة ما بين وجوه جميلة ووجوه تخفي نواياها خلف أقنعة أو مساحيق تجميل تطل منها نوايا الغدر المؤجل، نسمات عليلة تهدئ من رنين التساؤل المستمر... لماذا كل هذا يا رفاق؟

الغربة ليست جغرافيا، ولكن تاريخ ينخر في الوجدان، تاريخ مليء بالذكريات، يعمق الأنين لا الحنين، أي بقعة في تلك الأرض التي خلقها الله عزوجل والتي هي لا شيء يذكر في ملكوت الخالق العظيم تبارك اسمه، هي مجرد بقعة كبقية بقاع المعمورة ولا تختلف إلا بالأشياء الجميلة التي ترسخ الحنين إليها...

أما أن تكون أرض نزيف يستهلك كل مخزون الجمال ويستبدله بقبح الأفعال وسوء النوايا، فالرحيل إلى غيرها لن يكون جريمة يحاسب عليها المرء في آخرته، مع الدعاء لها بأن تبقى في أمان الخالق لأن أياديها البيضاء رسمت الابتسامة على وجوه الملايين من البؤساء في أنحاء العالم لذلك وحتما سيحميها الله من عواصف الدهر وتقلباته.

يا له من ممر ذلك الذي يؤدي إلى اتجاهين متعاكسين على ضفة تلك (الزنقة) التاريخية التي هي شاهد على عصور مضت وبطولات وانكسارات تشبه ذواتنا المترنحة، بسبب نوايانا الساذجة، وسذاجة قلوبنا، التي كانت هي النوافذ التي ننظر من خلالها إلى عالم مليء بمساحيق التجميل القبيحة... دمتم بخير.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد