إيلاف من بيروت: تبنى آية الله علي خامنئي دورا أكثر نشاطا في الحياة العامة في سعيه إلى تعزيز سلطة النظام الإيراني بعد اندلاع التظاهرات الأكثر حدة منذ الثورة الإسلامية. فقد اتخذ المرشد الأعلى وصانع القرار النهائي في الجمهورية الإسلامية في إيران خطوة مهم في أوائل فبراير، تمثلت في العفو عن عشرات الآلاف من السجناء، بمن فيهم بعض المشاركين في الاحتجاجات المناهضة للنظام التي أشعل فتيلها في العام الماضي مقتل امرأة تبلغ من العمر 22 عاما، والتي تراجعت الآن.
كما ظهر على شاشة التلفزيون هذا الشهر وهو يصلي مع مجموعة من الفتيات يرتدين أحجبة إسلامية ملونة. كما شارك أيضا في إجتماعات مع رجال الصناعة ورجال الأعمال الإيرانيين. وعلى الرغم من تغير التركيز، لا مؤشرات على أن مرشد إيران يستعد لتغيير النظام الديني الذي حكم البلاد منذ ثورة عام 1979. بدلا من ذلك، يظهر محاولًا تدبير صورته.
يبقون أقلية
بدأت الاحتجاجات الأكثر أهمية منذ سنوات في سبتمبر عقب وفاة مهسا أميني، وهي إيرانية كردية اعتقلت لعدم التزامها بقواعد اللباس الإسلامية. نمت التظاهرات وانتشرت في جميع أنحاء البلاد مع إثارة خامنئي الغضب باعتباره الشخص الأكثر مسؤولية عن القيود الاجتماعية، فضلا عن تعاسة عميقة في نفوس الإيرانيين إزاء القمع السياسي والاقتصاد الراكد في إيران. استمرت الحركة الاحتجاجية أربعة أشهر قبل أن تخمد، ليحل محلها الغضب والإحباط. ولم يؤد إعدام أربعة من المحتجين بسبب قتلهم أو إصابتهم قوات الأمن إلا لتأجيج الشعور باليأس. ويقول المتشددون، الذين يلومون الخصوم الغربيين والإقليميين على إثارة الاضطرابات، إن المرشد الأعلى أصبح أقوى. وكانت القوات الموالية للنظام قد نظمت مسيرات خاصة بها هذا الشهر بمناسبة ذكرى ثورة 1979.
قال السياسي المتشدد حامد رضا تاراغي عن المحتجين وقرار تحريرهم: "لقد خدعت المعارضة بعض الشباب غير الناضجين... [و] عفا عنهم المرشد الأعلى." واصر على ان خامنئى لن يغير مبادئ الجمهورية الاسلامية. "فحتى لو خرج مليون شخص في الشوارع إحتجاجا... فإنهم لا يزالون أقلية. إنه نظام ذو جذور عميقة داخل البلاد وعبر الشرق الأوسط لا يمكن اقتلاعه".
ودعت المعارضة في البلاد إلى إنهاء السلطة "المطلقة" التي يمارسها خامنئي، استنادا إلى الدستور، وإلى إنشاء مؤسسة ديمقراطية علمانية جديدة. بيد أن عجز الحركة الاحتجاجية عن إحداث تغيير حقيقي يؤكد على الصعوبات التي تعترض التعامل مع نظام يتمتع بشبكات أمنية واقتصادية واسعة ومتعددة المستويات من الموالين. ولم يقدم أي من منتقدي النظام بديلا قابلا للتطبيق للنظام الحالي، كما لم يبرز أي من قادة المعارضة الشعبية إلى الواجهة. وقال أحد المحللين الإصلاحيين: "إن النظام يشعر بالحظ الشديد لعدم ظهور أي بديل جدير بالثقة حتى في هذه الاحتجاجات".
لم يطرأ أي تغيير على عداء النظام الإيراني للغرب، ولا مؤشرات على أن طهران ستقدم تنازلات بشأن برنامجها النووي، في الوقت الذي يرزح فيه اقتصادها تحت موجات العقوبات الأميركية. ومن غير المرجح أيضا أن تتغير عمليات بيع الطائرات بدون طيار الهجومية إلى روسيا، والتي أستخدمت في الحرب ضد أوكرانيا، في حين يهيمن المتشددون على أسلحة الدولة.
لا مستقبل
حذر الإصلاحيون، الذين لا يشغلون مناصب حكومية رفيعة لكنهم يحتفظون بصلات مع النظام، من أن مثل هذه السياسات لن تؤدي إلا إلى تأجيج المعارضة التي يقولون إنها آخذة في النمو في جميع أنحاء المجتمع. وقد دعوا النظام للتوصل إلى إتفاق مع الولايات المتحدة لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، والذي من شأنه تخفيف العقوبات، فضلا عن التعبير عن المطالبة بحرية وسائل الإعلام، واستقلال القضاء وتخفيف القيود السياسية والاجتماعية والثقافية. فقد اقترح محمد علي أبطحي، نائب الرئيس السابق الإصلاحي، في مقابلة أجرتها معه وسائل الإعلام المحلية مؤخرا أن النظام سوف يوافق في النهاية على إصلاحات "متواضعة" لأنه لا يوجد خيار آخر. لكن المعارضة تقول إن أنصاف الإجراءات لن تكون كافية لإرضاء الطبقة الوسطى التي قادت الاحتجاجات المطالبة بالديمقراطية.
وقال المعارض مير حسين موسوي، الذي يخضع للإقامة الجبرية منذ أكثر من عقد من الزمن، في بيان صدر هذا الشهر إنه لم يعد يثق في أي إصلاحات دستورية، ودعا للمرة الأولى إلى تغيير النظام. وفي حين لاقت كلماته صدى لدى الكثير من الإيرانيين، يعتقد إصلاحيون آخرون مقربون من الرئيس السابق محمد خاتمي أن إسقاط النظام سيطلق العنان لقوى قوية ومدمرة وبالتالي سيكون مكلفا للغاية. وقد حثوا المرشد الأعلى على الشروع في إصلاحات جوهرية. لكن حتى هذا لن يكون كافيا بالنسبة للبعض. قالت مليحة (44 عاما)، وهي ممرضة وأم متوحدة: "لقد خدعنا بما فيه الكفاية. على الجمهورية الإسلامية أن تتوقف! ولا أرى مستقبلا لنفسي أو لابني في هذا البلد بعد الآن".
قال المحلل الإصلاحي سعيد ليلاز إن مثل هذا اليأس وتراجع الشرعية الشعبية للنظام أصبحا تحديا كبيرا، حيث لا يزال العديد من المتشددين غير مدركين لخطورة الوضع. وستختبر الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في مطلع العام المقبل الرأي العام. أضاف: "لقد فقد المجتمع أمله، ولكن التلفزيون الرسمي لا يزال ينشر الكراهية والمتشددين ... ويثير هذه النظرة الكئيبة". وفي ظل هذا الموقف، كان خامنئي "الأمل الوحيد" بالنسبة لأولئك الذين كانوا يريدون الإصلاحات، لأنه كان الشخص الوحيد الذي يتمتع بسلطة تقديم الإصلاحات.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن مقالة كتبتها نجمة بزرجمهر ونشرتها صحيفة "فايننشيال تايمز" البريطانية