إلى الشرق من العاصمة الرباط، وسط المغرب، قرر المجلس الجماعي لقرية أجلموس، قبل أسبوع من عيد الأضحى، منع دخول الأغنام والماعز إلى السوق الأسبوعي، الذي اعتادت القرية إقامته كل سبت، ويعتبر أحد أهم الأسواق لتجارة الماشية في كامل البلاد.
وعلى الرغم من عدم وجود قرار رسمي بمنع تجارة وذبح الأضحية في المغرب بحسب تصريحات رئيس الفيدرالية المغربية للفاعلين بقطاع المواشي محمد جبلي، إلا أن المجلس الجماعي لأجلموس وعدد من المناطق الأخرى في المغرب، قرروا الالتزام بتوجيهات ملكية دعت المغربيين إلى عدم ذبح الأضاحي هذا العام.
ففي 26 فبراير/شباط 2025، أصدر الملك المغربي محمد السادس توجيهات تدعو المواطنين إلى عدم ذبح أضحية العيد لهذه السنة، بسبب "تحديات مناخية واقتصادية أدت إلى تسجيل تراجع كبير في أعداد الماشية"، وأشارت الدعوة الملكية إلى أن "عيد الأضحى هو سنة مؤكدة مع الاستطاعة، والقيام بها في هذه الظروف الصعبة سيلحق ضرراً محققاً بفئات كبيرة من أبناء شعبنا، لاسيما ذوي الدخل المحدود".

من الصدارة إلى منطقة الخطر
المغرب قبل عام، كان في قائمة الدول العربية الأكثر امتلاكاً للأغنام لعام 2024 بحسب تقرير صادر عن موقع world population review إذ حلّ في المرتبة الثالثة بعد السودان والجزائر، بإجمالي 25.3 مليون رأس غنم، ومع ذلك يشهد البلد ارتفاعاً حاداً في أسعار اللحوم الحمراء، بسبب تراجع وفرة المواشي بنسبة 38 في المئة خلال العام الجاري مقارنة بعام 2016، وهو ما عزاه وزير الفلاحة المغربي، أحمد البواري، إلى الجفاف الذي يضرب البلاد منذ ست سنوات.
تأثُر القطعان بموجات الجفاف لم يقتصر على المغرب فحسب، إذ أعلنت الجزائر التي تعتبر ثاني أكثر الدول العربية امتلاكاً للأغنام في عام 2024 بحسب موقع population review world، أنها ستستورد مليون رأس غنم لتغطية الطلب على الأضاحي ودعم القطيع المحلي هذا العام.
وبحسب آخر إحصائية رسمية أعلنت عنها الجزائر، قدّر وزير الفلاحة والتنمية الريفية آنذاك، عبد الحفيظ هني، خلال مؤتمر صحفي عام 2023، عدد رؤوس الأغنام في البلاد بنحو 17 مليون رأس، نافياً التقارير التي تحدثت عن امتلاك البلاد قرابة 36 مليون رأس.

وتعزو السلطات الجزائرية أيضاً أسباب تراجع الثروة الحيوانية في البلاد إلى موجات الجفاف غير المسبوقة التي تضرب البلاد منذ سنوات.
وفي تونس وليبيا لا يختلف الوضع كثيراً، إذ تسجل أسعار اللحوم الحمراء ارتفاعاً مستمراً منذ سنوات مع وجود تقارير تتحدث عن تراجع في أعداد المواشي في البلدين الساحليين.
وتظهر بيانات المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة، في تقرير صدر مطلع شهر سبتمبر/أيلول 2024، أن درجات الحرارة ارتفعت في أفريقيا بشكل سريع ومقلق مقارنة بالمتوسط العالمي، ما أدى إلى خسائر قدرت بما بين 2 و5 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول بسبب موجات الحر القاتلة والأمطار الغزيرة والفيضانات والأعاصير والجفاف لفترات طويلة.
ويوضح الدكتور محمد عبد المنعم، المستشار الدولي في مجال تغير المناخ والتنمية الريفية، والمستشار السابق لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، لبي بي سي، أن منطقة شمال أفريقيا على وجه الخصوص، أصبحت من المناطق الساخنة فيما يخص تغيرات المناخ، إذ بدا ذلك واضحاً من كميات الأمطار المتدنية، وارتفاع درجات الحرارة والجفاف الذي لم يحدث منذ عشرات السنوات، وقلة المياه والمساحات الخضراء، بالإضافة إلى ارتفاع مستوى سطح البحر.
ويعتبر الدكتور محمد أن هذه العوامل تؤثر مباشرة على الحيوانات والمراعي بالإضافة لصحة وغذاء القطيع، مستشهداً باضطرار العديد من المزارعين في منطقة الشاوية في المغرب - وهي إحدى المناطق المعروفة بتربية المواشي - إلى التخلص من قطعانهم وبيعها بأقل الأسعار خلال السنوات الماضية، لعدم استطاعتهم على توفير الغذاء على حد قوله.
الامتناع عن التضحية أم الاستيراد!
وليس الجفاف وحده ما يهدد الثروة الحيوانية في دول شمال أفريقيا، إذ يقول مدير مكتب التعاون الدولي بالمكتب الوطني للصحة الحيوانية في ليبيا، إسماعيل أبو غرارة، إن الفيضانات التي ضربت مدينة درنة ومدن أخرى في شرق ليبيا عام 2023، أدت إلى نفوق عدد كبير من المواشي أثر في الثروة الحيوانية في البلاد.
ويوضح أبو غرارة، لبي بي سي، أن أشكال الطقس المتطرف التي تضرب البلاد من هطول الأمطار في غير مواعيدها والفيضانات في عدد من المناطق، إلى جانب الجفاف في مناطق أخرى أدى إلى انتشار الأمراض غير الموسمية بين القطعان، مشيراً إلى أن هذه الأمراض تنتشر أيضاً بسبب هجرة المواشي عبر الحدود، ما يعني تأثر البلاد بشكل غير مباشر بالتغيرات المناخية التي تحدث في دول الجوار كتونس والجزائر.
وخلال إعداد هذا التقرير وجدنا أرقاماً متضاربة بين المؤسسات المعنية برصد وإحصاء المواشي في الدول، وهو ما عزاه أبو غرارة إلى عدم وجود أليات إحصاء محددة، إضافة إلى التوترات التي تشهدها بعض الدول.
ومع ذلك، اتفقت جميع الإحصائيات على وجود تراجع في أعداد المواشي لا سيما في دول أفريقيا وشمالها تحديداً، ما اضطر عدداً من الدول إلى استيراد كميات من المواشي لسد الطلب خلال عيد الأضحى، بينما دعا المغرب إلى الامتناع عن ذبح الأضاحي هذا العام.

يقول الأستاذ في المعهد العالي للتجارة والإدارة في الدار البيضاء، المهدي الفقير، أن التضحية بقرابة 6 ملايين رأس من الماشية في المغرب هذا العام، سيفاقم "الوضع الهش" الذي تتحدث عنه الحكومة.
ويوضح الفقير لبي بي سي أن الإجراءات التي تم اتخاذها هي "إجراءات هيكلية ذات طابع نوعي وكمي بهدف ضمان ديمومة تكاثر القطيع وسد الاستهلاك المحلي"، مبيناً أن "الإجراءات الظرفية التي اتخذتها الحكومة في وقت سابق من خلال استيراد المواشي لم تكن مجدية، إذا استمرت أسعار اللحوم بالارتفاع إلى مستويات غير مسبوقة في البلاد".
وهذه ليست المرة الأولى التي يمنع فيها المغرب ذبح الأضاحي بحسب الفقير، ففي عام 1963، أعلن العاهل المغربي الراحل إلغاء ذبح الأضاحي بسبب ما يعرف بـ "حرب الرمال" بين المغرب والجزائر والتي أثرت على الوضع الاقتصادي للبلاد.
ثمّ في عام 1981، ألغى المغرب أيضاً ذبح الأضاحي بسبب موجة جفاف شديد أصابت البلاد وأدت إلى نفوق أعداد كبيرة من المواشي.
وفي عام 1995 وصل الجفاف إلى مستويات غير مسبوقة وأعلن المغرب تلك السنة، عام كارثة وطنية، ما اضطر السلطات إلى منع ذبح الأضاحي في عام 1996، لإعادة التوازن للقطيع الوطني.
ويرى الفقير أن تلك الإجراءات في حينها نجحت في إعادة توازن الثروة الحيوانية في البلاد، إذ ركزت على منع ذبح الإناث من المواشي، بالإضافة إلى أنها تضمنت برامج دعم المربين، وهو ما يشبه السياسة الحالية للمملكة المغربية على حد قوله.
هل يصبح عيد الأضحى بلا أضحية؟
ومع ازدياد التحذيرات الدولية من تفاقم أزمة المناخ والجفاف، يتخوف مواطني بعض الدول من فرض إجراءات مشابهة لتلك التي اتخذتها المملكة المغربية، إذ انتشرت شائعات على نطاق واسع في تونس تفيد بعزم السلطات حظر ذبح الأضاحي في العيد، وهو ما نفاه ديوان الإفتاء التونسي في مارس/آذار الماضي.
وفي استفسار من الغرفة التونسية للقصابين حول إمكانية حظر ذبح الأضاحي حفاظاً على الثروة الحيوانية خلال موسم الجفاف الذي يضرب البلاد، "أكد ديوان الإفتاء على أن الأضحية هي سنة مؤكدة ومن شعائر الله، ودعا إلى تعظيمها"، بحسب منشور له على فيسبوك.
وفي ذلك يقول الدكتور محمد عبد المنعم، المستشار الدولي في مجال تغير المناخ والتنمية الريفية، إن لكل دولة وضع خاص فيما يخص تغيرات المناخ، موضحاً أن كل دولة لها تدابير تتماشى مع ظروفها المحلية بما يتماشى مع تقييمها للوضع الحالي.
كما استبعدت ليبيا والجزائر اتخاذ إجراءات مشابهة للإجراءات المغربية، إذ قلل إسماعيل أبو غرارة من احتمالية استنزاف المواشي خلال مواسم عيد الأضحى، موضحاً أن المربين يعملون على مدار العام لتلبية الطلب خلال هذا الموسم، ومشيراً إلى البرامج التي تتخذها السلطات المحلية والمنظمات الدولية مثل منظمة الفاو، لدعم المزارعين والمربين في كل دولة على حسب احتياجاتها.
أما في المغرب، فلا يستبعد الفقير أن تستمر السلطات المحلية في منع ذبح الأضاحي خلال الأعوام القادمة إذا اقتضت الحاجة، ويرى أن ذلك سيساهم على المدى المتوسط والبعيد في حماية المربين وإعادة التوازن للثروة الحيوانية في البلاد.
- طرائف خراف عيد الأضحى
- لماذا ألغى المغرب شعيرة الذبح في عيد الأضحى هذا العام؟ وكيف تفاعل المغاربة مع دعوة الملك؟
- كيف تغيرت تكلفة طبق "الفتة" على المصريين؟