إيلاف من الرباط:في صباحٍ بدا عادياً بمدينة أكادير(وسط المغرب)،لم يكن أحد من طلاب كلية الحقوق بجامعة ابن زهر يتوقع أن يُصبح أستاذهم،الذي طالما قدّم نفسه كمدافع عن دولة الحق والقانون، حديث الصحف والمحاكم.
إنه أحمد قيلش، أستاذ القانون والقيادي بحزب الاتحاد الدستوري،الذي يساند الحكومة رغم أنه غير مشارك فيها.
بعد سلسلة من التحقيقات القضائية، وجد هذا الأستاذ الجامعي نفسه فجأة خلف القضبان، متّهماً بواحدة من أضخم قضايا الفساد التي عرفها التعليم العالي المغربي في السنوات الأخيرة.
محمد رشيد الشريعي رئيس المركز المغربي لحقوق الانسان وهو أول من رفع شكوى للقضاء ضد الاستاذ قيلش
لم يبدأ كل شيء من داخل الحرم الجامعي، بل من مكتب موثق بمدينة أخرى، سرق ودائع زبنائه وهرب، ليقع في قبضة الأمن صيف 2021.
مفاجئة غير متوقعة
خلال التحقيق، وبينما كان يسرد تفاصيل انهياره المهني، فجّر مفاجأة غير متوقعة، واعترف بأنه "حصل على شهادة ماستر من كلية الحقوق دون أن يحضّر دروساً أو يجتاز امتحانات". وقال: "دفعت لنيل الشهادة الجامعية 25 مليون سنتيم (25 ألف دولار) للأستاذ قيلش".
هذا الاعتراف فتح أبواب الجحيم على الأستاذ الجامعي وعلى آخرين معه، وتوسّعت التحقيقات، وامتدت خيوط الشبكة إلى محامين، وموظفين، وأساتذة جامعيين آخرين. لتقف عند تورط زوجته، المحامية، التي كانت إحدى الشخصيات المحورية في المعاملات المالية، إذ كشفت التحريات عن وجود حوالي 80 مليون درهم (حوالي 8 ملايين دولار) في حسابها البنكي، يُشتبه في أنها من عائدات عمليات بيع الشهادات الجامعية العليا ووساطات مشبوهة في التوظيف.
لكن الأخطر في القصة، لم يكن المال وحده، بل الحماية، حيث أن هذا الأستاذ كانت له مكانة خاصة خلال الفترة بين 2015 و2021، وتضخّم نفوذه، مدعوماً بعلاقات وثيقة مع مسؤولي الجامعة، على رأسهم رئيس الجامعة السابق (ع. ح)، الذي تقول مصادر مطلعة بأنه كان يتغاضى عن ما يحدث، و"ربما يحميه". كما كانت المدعوة (ج. ع)، وهي مديرة بوزارة التعليم العالي آنذاك، تحضر باستمرار كل الأنشطة التي ينظمها الأستاذ، رغم أنها مسؤولة مركزية كان يُفترض فيها أن تنزوي بعيداً عن الشبهات وتراقب، لا أن تجامل.
أمام المحكمة
بعد استكمال التحقيق التمهيدي، بدأت الرواية تأخذ طابعها الجنائي في ردهات محكمة الاستئناف بمراكش، حيث وقف قيلش أمام قاضي التحقيق المكلف بجرائم الأموال، وهو مطأطئ الرأس غير قادر على النظر في وجه القاضي.
وبعد الإجابة على أسئلة القاضي تقرّر اعتقاله وإيداعه السجن، فيما وُضع ستة متهمين آخرين تحت المراقبة القضائية، من بينهم زوجته، ومحامون، وأستاذ جامعي آخر.
وفي تصريح خص به "إيلاف المغرب" ، قال محمد رشيد الشريعي، رئيس الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان بالمغرب "سبق أن تابعنا المشتكى به حين كان يشتغل أستاذاً جامعيا بآسفي بتهم التحرش الجنسي مقابل النقط. أما بخصوص نازلة بيع الشهادات الجامعية العليا، فالقصة معروفة ".فهي شكوى من مواطن تقدم بها إلى النيابة العامة، وعلى ".
وأضاف الشريعي أن خطورة هذه الفضيحة تكمن في منح شهادات ماستر ودكتوراه لأشخاص غير مؤهلين، ما يفسح لهم المجال لولوج مناصب حساسة في القضاء والإدارة والمؤسسات العمومية، في خرق صريح لمبدأ تكافؤ الفرص.
وأشار إلى أن الأمر لم يعد يقتصر على أكادير فقط، بل بات ظاهرة وطنية تديرها شبكات تبادل منافع بين الأساتذة: "أمنح لزوجتك شهادة في مراكش، وتعطي لزوجتي شهادة في طنجة"، ضمن منطق زبوني خطير يُنتج مسؤولين غير أكفياء، ويهدد مصداقية الدولة.
وأكد الشريعي أن البنية الجامعية أصبحت مرتعاً لهذه الممارسات، في ظل غياب الرقابة وارتفاع منسوب المحسوبية، مطالباً بفتح تحقيقات وطنية شاملة، ومراجعة ملفات التخرج المشبوهة، لأن الأمر تجاوز السلوك الفردي وتحول إلى تهديد بنيوي للأمن التعليمي والمؤسساتي في المغرب.
أين الوزارة ؟
وبينما يتابع الرأي العام أطوار هذه الفضيحة، يتساءل كثيرون: "كيف أمكن لمثل هذه الممارسات أن تستمر سنوات دون أن تتحرك الوزارة؟". وهل ما بات معروفاً اليوم من جرائم بيع وشراء في الشهادات الجامعية العليا ما هو سوى رأس جبل جليد يغرق تحته ما تبقى من هيبة الجامعة المغربية؟
وفي انتظار نتائج التحقيق التفصيلي من طرف الهيئة القضائية بمراكش، يمكن القول إن "قيلش" ساهم في تكسير صورة الجامعة المغربية في نظر الطلبة، وأعاد طرح أسئلة محورية حول منظومة التعليم العالي، وضرورة إعادة الاعتبار للنزاهة والشفافية في منح الشهادات.