: آخر تحديث

رؤية متكاملة

4
4
4

في خطوة رائدة تعكس عمق الرؤية الاستراتيجية لدولة الإمارات، في صون أمنها المجتمعي، أصدر صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، مرسوماً بقانون اتحادي بإنشاء «الجهاز الوطني لمكافحة المخدِّرات»، يُعنى بتوحيد الجهود الوطنية في التصدي لآفة المخدِّرات، ويعمل ضمن مقاربة شاملة تضم الجوانب القانونية والصحية والتوعوية والاجتماعية.إنها نقلة نوعية في منهجية الدولة في مواجهة الإدمان، إذ تتجاوز المعالجات الأمنية التقليدية لتضع الإنسان في قلب المعادلة، مستهدفة حماية الشباب، وتعزيز التوعية المجتمعية، وتوفير بيئة صحية داعمة للتعافي والاندماج؛ فقد أثبتت التجارب العالمية أن الحلول الأمنية وحدها غير كافية، وأن الإدمان ظاهرة متعددة الأبعاد تتطلب استجابات متكاملة، ترتكز على الوقاية والتأهيل وإعادة الدمج، لا على العقوبة فقط.من المهم إعداد استراتيجية وطنية شاملة، تدمج بين برامج التوعية في المدارس والجامعات، وتقديم الدعم الأسري، وتطوير خطط علاجية وتأهيلية متخصصة، إلى جانب تنسيق الجهود مع الجهات الأمنية والقضائية والصحية.. وهذا التوجه يرسّخ فلسفة تشاركية ترى أن مكافحة الإدمان ليست مسؤولية جهة واحدة، بل واجب مجتمعي يشارك فيه الجميع: الأسرة، والمدرسة، والإعلام، والمؤسسات الدينية، والقطاع الطبي، لاسيما في وقت يتزايد فيه الخطر الإلكتروني، حيث تنتشر وسائل ترويج المخدِّرات عبر الإنترنت بطرائق خفية، ما يتطلب وجود كيان مرن ومؤهل تقنياً، لمواكبة هذه التحديات.ومن الجوانب المهمة البعد الإنساني للمدمن، وحاجته إلى المساعدة والدعم، لا إلى النبذ والعقوبة وحدهما. والفرصة الثانية حق مشروع، وإعادة دمج المتعافين جزء لا يتجزأ من الحماية المجتمعية الشاملة، وتمكين الأسر، عبر برامج تثقيفية تساعد على رصد العلامات المبكّرة للإدمان، ومنح الأدوات اللازمة للتعامل مع هذه الحالات بوعي واحتواء.ولا يخفى أن وجود قاعدة بيانات موحدة ومؤشرات أداء وطنية، سيكون له دور كبير في تحسين فاعلية البرامج، وقياس أثر السياسات، وتوجيه الموارد بشكل مدروس. كما أن دعم الحكومة يعكس التزاماً واضحاً بوضع صحة الإنسان وكرامته في صميم السياسات العامة.إن تأسيس الجهاز ليس مجرد قرار، بل رسالة واضحة بأن الإمارات عازمة على خوض هذه المعركة بأدوات علمية وإنسانية متكاملة، لحماية شبابها، وتعزيز أمنها المجتمعي، وتحقيق التوازن بين الردع والرعاية؛ إنها خطوة نحو مستقبل أكثر أماناً وتماسكاً، يحترم الإنسان، ويؤمن بأن التعافي ممكن، وأن الوقاية مسؤولية الجميع.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد