إيلاف من لندن: في زمنٍ باتت فيه الأغنية العربية تقتات على المجاز الآمن والعبارات المصقولة بلا طعم، قرّرت الفنانة الكويتية شمس أن تقول: "طز". حرفياً. هكذا، بكلمة واحدة، شائعة، ومحبّبة بقدر ما هي صادمة، عادت شمس إلى الواجهة، لا لتستجدي انتباهاً آنياً، بل لتضع بصمتها فوق مشهدٍ فني يحتاج إلى قليل من الفوضى، وربما كثير من الصراحة.
الأغنية التي طُرحت حصرياً على موقع يوتيوب، ليست استعراضاً للفظٍ دارج ولا مجرد استفزاز لغوي كما يخيّل للبعض، بل بيان فني مشغول بدقة، يتقاطع فيه التمرد الغنائي مع إخراج بصري يتكئ على الذكاء الاصطناعي، ومقاربة موسيقية تُعيد تموضع الأغنية الشعبية ضمن قالب حداثي.
"أنا أقول الأمور كما هي، ولا أجامل الواقع"، تقول شمس، جملة تصلح لتكون مانيفستو فني، أو شعارًا شخصيًا لا تخجل من رفعه. فبلهجة عراقية مشبعة بالحياة، وموالٍ يُظهر خامتها الصوتية غير المستغلة بما يكفي، فتحت الأغنية على توزيع موسيقي مبتكر حمل توقيع ميثم علاء الدين، وكلمات وألحان فراس الشذر، ما جعل من "طز" لحظة صوتية خارجة عن النمط، لكنها غير مرتجلة.
أما الصورة، فحكاية بحد ذاتها. الكليب الذي أخرجه جوزيف نصار، يقدّم شمس في هيئة بصرية جديدة بالكامل، حيث وُظِّف الذكاء الاصطناعي لا كمجرد تقنية، بل كأداة تعبير، تنقل التناقض بين اللغة المباشرة والخيال المركّب. هنا لا نشاهد فقط مغنية، بل شخصية فنية تعي تماماً ما تفعله، وتُجيد اللعب على حدود الذوق والدهشة.
النتيجة؟ انتشار فيروسي. الأغنية تحوّلت بسرعة إلى هاشتاغات شعبية (#طز، #شمس_الكويتية)، ومنصات مثل تيك توك وإنستغرام امتلأت بمقاطع متفاعلة. البعض وجد في العمل جرأة ناعمة، وآخرون رأوه أصدق من عشرات النصوص المصفوفة بلغة الخشب.
إحدى الصحف الفنية وصفت العمل بـ"الصادق المختلف"، بينما علّقت شمس نفسها بأن الكلمة ليست غريبة عن الناس، بل هي في صميم لغتهم اليومية، فما الذي يدعو للدهشة إذاً حين تدخل الأغنية؟
الدهشة الحقيقية ربما ليست في الكلمة، بل في هذا التصميم على إعادة تعريف حدود الأغنية العربية. من قال إن الفن لا يحق له أن يكون جريئاً ووقحًا، مجنونًا وصادقًا، وفقاً لما يتطلب الشعور؟ شمس لا تدّعي التمرد، هي تمارسه. لا تفتعل الغرابة، بل تصوغها بإحكام. و"طز" ليست سوى مرآة صغيرة لخيبة عامة، غنّتها امرأة ترفض أن تقول الأشياء نصف قول.
هكذا، بكلمة ثلاثية الحروف، عادت شمس إلى الضوء، لا لتطلب السماح، بل لتمنح الأغنية العربية صفعة توقظها من مجاملة مملة. وفي ذلك، كثير من الفن... وقليل من الأدب، بالمعنى الأجمل للكلمة.