: آخر تحديث

كرت الرعب بـ"فرية الدم"

5
6
4

ميسون الدخيل

عندما أتابع تصريحات السياسيين والشخصيات العامة التي تؤيد العدو الصهيوني، دائمًا ما أقرأ أو أسمعهم يرددون التالي: «لإسرائيل الحق بالدفاع عن نفسها»، «أعيدوا الرهائن وتنتهي الحرب»، «إنهم يكرهون أطفالهم ويضعونهم في وجه المخاطر»، وغيرها من التصريحات التي إن دلت على شيء، تدل على أنهم قد لقنوا الدرس جيدًا وما عليهم سوى أن يرددوا التصريحات حتى ولو وجدوا أنفسهم في وجه عاصفة من الاعتراضات. أتساءل أحيانًا إن لم يكن قد تم شراء ذممهم من قبل المجلس اليهودي الصهيوني، أو تهديدهم بفضح سلوكيات لهم مشبوهة من قبل «الموساد». ما الشيء الآخر الذي يرعبهم، ما الأمر الذي يجعلهم يخدرون ضمائرهم لدرجة لا يسمعون ولا يرون ولا يتحدثون عما يحدث من فظائع التجويع والإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني؟! لم يبق أمامي سوى الرعب الذي يصيبهم من اتهامهم بــ«فرية الدم»، وبهذا يخسرون كل شيء؛ سمعتهم، تاريخهم، عملهم... كل شيء! تُشير «فرية الدم» إلى اتهام اليهود، بأنهم يُمارسون طقوس قتل الأطفال غير اليهود، لا سيما بغرض استخدام دمائهم في ممارساتٍ دينية؛ مثلًا خلال عيد الفصح، وقد شكّل هذا الادعاء مصدرًا للعنف والاضطهاد المعادي للسامية لعدة قرون، مما أدى إلى تمييزٍ واسع النطاق وأحداثٍ مأساويةٍ في سياقاتٍ تاريخيةٍ مُختلفة. غالبًا ما تتوخى الشخصيات السياسية والإعلامية الحذر في كيفية مناقشة المواضيع الحساسة، لا سيما تلك التي قد تُرسّخ صورًا مُسيئةً أو اتهاماتٍ تاريخيةً ضد اليهود، مثل «فرية الدم»، كما نجد أنه هناك قلقٌ واضح من أن يُعيد النقد العلني لإسرائيل أو أفعالها العسكرية إحياء أو تعزيز الصور السلبية عن اليهود، لا سيما الادعاء بأنهم يُلحقون الأذى عمدًا بغير اليهود؛ خاصة الأطفال. للتعامل مع هذا المشهد، قد تختار هذه الشخصيات كلماتها بعنايةٍ لتأطير المناقشات بطريقةٍ لا تتوافق مع السياق التاريخي لـ«فرية الدم»، يشمل ذلك تبرير الإجراءات المتخذة أثناء النزاعات، مع ضمان ألا يوحي أي انتقاد بسوء نية أو نية إلحاق الأذى بناءً على الهوية! ويُشكل هذا النهج الحذر في الخطاب العام، إذ يؤثر في كيفية تناول القضايا ومناقشتها في وسائل الإعلام والساحات السياسية، ما يؤدي غالبًا إلى التركيز على تأطير الإجراءات على أنها معقولة أو مبررة، بدلًا من اعتبارها جزءًا من سردية قد تُعيد إحياء اتهامات مؤذية! هذا يعني أنه عند التحدث عن مقتل المسلمين والنصارى من الفلسطينيين، يجب أن يظهر الأمر على أنه أمر معقول، نتيجة متوقعة! مثل مقولة: «إن إسرائيل تدافع عن نفسها، والقتل المستمر منذ عشرين شهرًا لمائة ألف من سكان غزة نصفهم من النساء والأطفال، هو مجرد ردة فعل لهجوم يوم واحد راح ضحيته حسب قولهم أكثر من 1200 مواطن إسرائيلي! لا ذكر بالطبع لكل التحقيقات التي خرجت من صحفهم بأن الأمر تم بعلمهم، أو أقل الإيمان بتسهيلات منهم، ولا ذكر للطائرات المروحية والدبابات التي قصفت المواطنين تحت بند «خيار شمشوم»! ثم إن الأعداد الكبيرة من القتلى في غزة ليست سوى الثمن المؤسف الذي تم دفعه لتأمين «عودة الرهائن الإسرائيليين»، حقًا؟! هل يوجد أسرى إسرائيليون في الضفة؟! ماذا عن الأعداد الكبيرة من الأسرى الفلسطينيين خاصة الأطفال منهم، الذي يقبعون لسنوات وسنوات دون أي محاكمة في السجون، يتعرضون لأشد أنواع التعذيب والاعتداءات وأرذلها؟! وماذا عن المجاعة؟ إليكم ما خرجت به قريحتهم للالتواء حول المأساة: إن تجويع الأطفال في غزة الذي تمارسه إسرائيل منذ شهور هو «أزمة إنسانية»، وليس جريمة ضد الإنسانية! فعلًا تصفيق حاد لهؤلاء الفطاحل اللغويين الأشاوس! إنها الحلقة المثالية التي تعزز ذاتها، وهي منفصلة تمامًا عن الواقع الذي يتم بثه مباشرة إلينا يوميًا عبر شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي، بل الاتهامات المباشرة من لجان حقوق الإنسان، والأطباء الغربيين الذين عادوا من القطاع وأخبرونا عن الجرائم التي شاهدوها بأم أعينهم، عن كيفية اصطياد الأطفال وكأنها لعبة؛ يوم يتم التركيز على الأرجل ويوم على الرأس ويوم على المناطق الحساسة، وهكذا... وحشية جعلت الأطباء يجهشون بالبكاء على الهواء مباشرة وهم يصفون الحالات التي كانت تصل إليهم يوميًا. وبعد كل هذا تتصدر صحفهم مقالات لصهاينة قذرين يتهمون الإعلام الغربي بــ«فرية الدم»! والتهمة؟ أنهم ينشرون حقيقة موت الأطفال بأعداد هائلة في غزة - على الرغم من أن وسائل الإعلام نفسها كانت حريصة على التقليل من عدد القتلى عند تقديمها بل حتى التشكيك بها! يريدون من الإعلام أن يغض البصر، بل يريدون من الإعلام ألّا ينشر سوى سرديتهم ولا شيء آخر! الرعب من تهمة «افتراء الدم» يعطي إسرائيل حق التصرف بكل همجية وفجور ووقاحة متحدية الجميع، وهكذا يستمر الكثير من الزعماء الغربيين ووسائل الإعلام الرسمية لديهم في تجاهل هذه الأهوال أو التقليل من شأنها أو تبريرها. إنه الكرت الرابح الذي يستخدمونه ولا يجدون أي مقاومة لأن من يجب عليهم إيقاف الحرب وبيدهم إيقاف الحرب ليسوا سوى بيادق على رقعة الشطرنج تحركهم إسرائيل كيفما شاءت.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد